بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة المراجعات (٦)
بقلم د. ربيع العايدي
التوحيد لا ينتقض بتعظيمنا للأشياء .
أسئلة كثيرة تدور في فلك هذا العنوان .
هناك صور كثيرة من تعظيمنا للأشياء منها ما جاء النص الصريح بتقديسه وتعظيمه ومنها ما هو داخل تحت عموميات النصوص .
ومن هذه الأسئلة :
هل تعظيمنا للكعبة يتعارض مع توحيدنا لله تعالى ؟!
وهل تعظيمنا الانبياء عليهم السلام يتناقض مع توحيد الله ؟
وهل تبركنا بالآثار النبوية يتعارض مع التوحيد ويدخلنا في الشرك والعياذ بالله ؟
وهل تعظيمنا للقرآن واستشفاؤنا بآياته هو من أبواب الشرك والعياذ بالله تعالى ؟
وهل زيارة قبور الأنبياء والاولياء هو طعن بالتوحيد للمسلم ؟
أسئلة وصور كثيرة لا بد أن نعرف جوابها ، والعلماء انقسموا في الجواب عنها إلى قسمين :
الأول : من حرموا هذا التعظيم والتقديس بداعي أنه تورط بالشركيات، وانزلاق خطير لنقض عرى التوحيد ، وهذا قول وفتوى فاسدة ، مصدرها الفكر التكفيري ، والذي ما زال يمارس إسقاط الهوية الدينية عن المسلمين ، دون تمييز بين ما هو التوحيد والشرك .
وأما القسم الثاني من العلماء وهم جماهير العلماء اختاروا جواز واستحباب فعل هذه الأشياء إذ هي قربة لله تعالى ، وقد اتخذوا طريقا في الإفصاح عن هذا الحكم الشرعي من خلال الروايات التي ثبت فيها تبرك الصحابة بالآثار النبوية أو زيارة النبي عليه الصلاة والسلام للبقيع وهكذا، وعليه فقد اختاروا طريق الروايات أو النصوص وبيان أسانيدها وأن هذه الأفعال صحيحة لأن رسول الله وأصحابه قد فعلوها . فحتى تحذيرهم من بعض الأمور والأفعال لا لكونها داخلة في الشركيات ولكن لكونها لم يرد فيها نص صريح بفعلها . فتنبه !!
وإذا دققنا وجدنا أن جواب جماهير علماء الأمة لم يُسكت بعض التوجهات الدينية التكفيرية التي ترى شركية هذه الأعمال وأنها ناقضة للتوحيد ، وعليه كان يتوجب علينا في هذا المقال أن نرجع المسألة إلى مكانها المناسب وهي كتب الفقه ويكون ذلك بتحقيق معنى ( التوحيد والشرك ) وليس حول الروايات فقط التي ذكرت بعض صور هذه الأفعال .
وفي هذه العجالة سنقوم بتحقيق معنى" التوحيد" ليتبين للمسلم أن دعوى اتباع المنهج التكفيري بأن من يقوم بهذه الأفعال مشرك ، دعوى فارغة لا تقوم على ساق! وهي محض افتراء على الله ورسوله .
التوحيد فيه شرط واحد .
" وهو التوجه القلبي المطلق لله تعالى الواحد الأحد، مع وصفه سبحانه وتعالى بكل كمال ثبت له".
وعليه فالمعول عليه في التوحيد التوجه القلبي وليس الظاهري لأن رجوع الظواهر كلها عند المؤمن لله تعالى أي خلقا واستمدادا .
ولذلك نجد الشريعة طلبت من المسلم التوجه الظاهري إلى بعض الأشياء وذلك لا ينقض التوحيد كما أنه لا يوقعها بالشرك .
فالشريعة طلبت منا التوجه الظاهري إلى القبلة ولكن التوجه القلبي لله تعالى ربنا ورب القبلة سبحانه وتعالى .
وكذا الطواف حول الكعبة لا يتعارض مع التوحيد لأن التوجه القلبي المطلق لله تعالى وإن كان التوجه الظاهري الحسي إلى الكعبة .
وعليه كان طلب السجود لسيدنا آدم عليه السلام لا ينقض التوحيد ولا يدخلنا بالشرك والعياذ بالله تعالى لأن التوجه القلبي والحقيقي عند المباركة لله تعالى ، حتى إبليس عندما اعترض على السجود لآدم كان بحجة تمايز أصل الخلق وليس بداعي أن هذا نزوع إلى الشرك . !
وعليه فالتوجه بالتوسل للنبي لا يخرج الإنسان المسلم من التوحيد ولا يدخله بالشرك لأن الوجهة القلبية لله تعالى ، ومما مضى يظهر أن مجرد التوجه الى المخلوق تبركا أو زيارة بقصد التبرك ،او توسلا به ، ليس شركا البتة ! كيف وقد أمرتنا الشريعة بالتوجه إلى القبلة ، وكذا في جاء في حديث البخاري وغير من حيث الشفاعة الطويل توجه الخلق إلى الأنبياء عليهم السلام .
وهنا قد يقول بعض السطحيين :
إن الذي سمح لنا بالطواف والتوجه إلى القبلة ، وسجود الملائكة لآدم عليه السلام العلة في جوازه هو أن الله هو من أمرنا بذلك .
والجواب على هذا الكلام الذي لا يصدر إلا من عوام المسلمين أو من هو في منزلتهم في الباطن.
معنى كلامكم : إن التوجه إلى القبلة شرك في أصله ولكن لما أمرنا الله به صار توحيدا ، وهذا غلط ، اذ أصل التوجه ليس شركا ، الا إذا اعتقدت في المتوجه إليه بأنه يملك من الصفات الذاتية من نفسه من دون الله تعالى .
وكما علينا أن نتفق على أن هذه الأفعال ليست نقضا للتوحيد بما بيناه من معنى التوحيد ، وان الأمر يبقى ضمن الحكم العملي الفقهي وهو : هل هذا الأمر معظم في الشريعة ام لا ؟ من هنا كان مدخل هذه الأمور في أبواب الفقه وليس التوحيد .
ولكن ما معنى الشرك ؟
وقد مر ذكره في نصوص كثيرة ويكفي أن نعلم خطر الشرك بأن من مات عليه لم يغفره الله تعالى . قال تعالى : {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ}.[النساء:48]
فما هو الشرك : هو أن تتخذ إِلَهًا من دونه تعالى .
وأريد من القارئ الكريم أن ينصت لبعض النصوص حيث يقول تعالى : {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.[المائدة:116]
وقال تعالى : {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ}.[يونس:18]
وقال تعالى : {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}.[الكهف:27]
وقال تعالى : {
أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦٓ آلِهَةً
}.[يس:23]وغير هذه النصوص كثير التي تتفق على تقرير معنى واحد وواضح للشرك ، بقوله : " من دونه" أي تعطيه صفة أو فعل لكن هذه الصفات والأفعال يقوم بها من دونه تعالى أي استقلالا ذاتيا هذا هو المحظور الذي حذرت منه النصوص .
ومن هنا فالشرك : اعتقاد فاسد بالله تعالى، بأن أحدا له من دون الله ، ما يتصف به الله سبحانه وتعالى .
وهذا الاعتقاد لن يصدر من مسلم لأن اصل الاسلام مبني على التوحيد ،وهو معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث البخاري : (وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي..)
ونخلص مما مضى :
إن تعظيم ما عظمه الله تعالى وزيارتهم والتبرك بهم أمر مستحب ما دام أن الله تعالى أمرنا بتعظيمهم .
إن هذه المسائل هي عملية فقهية ولا تدخل في باب الإيمان والكفر ومن حكم على المسلمين ممن يزورون المقامات أو يتبركون بها بأنهم مشركون ، فقد افترى على الله تعالى الكذب والعياذ بالله تعالى .
** ** **
د. ربيع العايدي .
رئيس قسم الفلسفة جامعة باشن الأمريكية .
أحسنت وأجدت
ردحذفكلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
ردحذفأوضح من ضوء الشمس في منتصف النهار
المربى عند المشايخ غالي
أما الذين يقولون هم رجال ونحن رجال صدقوا من حيث الذكورة وكذبوا من حيث وصف الرجولة فما ارتقوا ليكونوا أشباه الرجال
جزاكم الله خيرا على هذه اللفتات
وتوجيه المسائل إلى أصلها الفقهي