آخر الأخبار

جاري التحميل ...

نقض محاولة استدلال المجسمة "بقياس الغائب على الشاهد".



سلسلة المراجعات ( 7)

لقد حاول المجسمة الاعتماد على هذا الاستدلال الذي اشتهر بين المتكلمين ( معتزلة وأشاعرة ) ليوهموا العامة أن عقيدتهم تستند إلى المناهج العقلية التي يستخدمها المتكلمون وإن كانوا في مواضع متعددة يرفضون هذا الاستدلال لأنه ينبني عليه نفي الصفات الخبرية على حد تعبيرهم ( اليد ، الأصابع، الرجل ، الهرولة، .... ).

لكن كيف حاولوا الاستناد إلى هذا القياس ؟

«إذا كنا لا نعرف في الشاهد فاعلا إلا جسما فيجب طرد ذلك غائبا، وعليه يلزم أن يكون الغائب " الله " جسما أيضا».

وكذا قالوا : «إننا لم نر في الشاهد موجودا الا متصلا أو منفصلا وعليه يلزم ذلك في الغائب " الله تعالى "».

وقالوا أيضا : «لا نعرف في الشاهد موجودا إلا متحيزا ، ويلزم ذلك في الغائب أن يكون متحيزا في مكان».

وكما حاول بعض الملحدين الاستدلال بهذا القياس فقالوا : «لا نعرف في الشاهد إلا محدثا ذو بداية، كذا يلزم ذلك في الغائب ، فلا نعترف بإله قديم».

وقال الملحدون : «لا نشاهد إلا جوهرا أو عرضا، ويلزم أن الغائب كذلك فلا إله على حد زعمهم».

في هذه المناقشة على عجل سأحاول بيان المقصود بهذا الاستدلال وأن المجسمة من أبعد الناس عن فهم المعقول والمنقول.

إن هذا الاستدلال ( قياس الغائب على الشاهد ) استخدمه المتكلمون وقد تفاوت درجات قبولهم لهذا الاستدلال سعة وضيقا، فنجد أن الإمام الاشعري استخدم هذا الاستدلال في كثير من المواضع، وتابعه على ذلك بعض علماء الأشاعرة، ومنهم من اختلفت أقواله في الاعتماد على هذا الاستدلال " كالجويني " ومنهم من كان يرفضه نظريا ويستخدمه عمليا.

ولكن ماذا يقصد المتكلمون بهذا القياس " قياس الغائب على الشاهد ".


الشاهد لا يراد منه المحسوس ، وهنا ظهرت أوهام المجسمة حيث توهموا أن المقصود من ( الشاهد ) بالقياس هو المحسوس ، وهذا غير مراد البتَّة عند العلماء.

وإنما المقصود من الشاهد هو المعلوم مطلقا ، سواء كان عن طريق المشاهدة أو الضرورة أو الكسب.

ثم إن المعرفة المتعلقة بالشاهد هي معرفة العلة وليس مجرد ما تحسه بحواسك.

وأما الوهم الآخر الذي دخل على المجسمة فظنوا أن المراد من الشاهد هو مجرد التشابه ، وهو غلط، بل ثمة علة عقلية لالحاق الفرع بالاصل.

وخذ مثلا على هذه المغالطات :

إنسان نشأ في بلدة لون بشرتهم شقراء ، فإنه يحكم بأن كل إنسان لابد أن يكون أشقر البشرة !!.

وهو مغالطة دخلت عليه من توهمه أن كل إنسان لا بد أن يكون أشقرا لأنه لم يعرف إنسانا إلا أشقر.

والجواب : إن اللون الأشقر لا يعتبر علة في كون الإنسان إنسانا ،اذ يصح تحقق الإنسان دون هذا اللون بأن يكون اسود مثلا.

مثال آخر : شخص لم يشرب ماء إلا ما كان عذبا ، فيحكم بأن كل الماء عذب !!.

وهو غلط دخل عليه من ظنه أن العذوبة على في كون الماء ماء.

وأما الغائب في القياس فيراد منه المجهول مطلقا.

فالاستدلال بالمشاهد على الغائب لا يقصد منه مجرد المشاهدة الحسية ولا التشابه وإنما لا بد من البحث عن العلة في الشاهد ، والغائب موصوف بنفس العلة اي أطراد العلة في الغائب.

وبعد هذا البيان نرجع إلى محاولة استدلال المجسمة بهذا القياس.

نجد محل المغالطة توهمهم أن علة الفاعلية هي الجسمية ، وهو باطل إذ ثمة اجسام لا فعل لها كما هو معلوم.

فيجب أن يكون محل الاستدلال مرتبط بالعلة.

وأما استدلال المجسمة على إثبات المكان والحيز له تعالى والعياذ بالله بأن الشاهد متحيز ، فقد صار واضحا لديك بعد الذي ذكرناه بأن القياس مرتبط بالعلة العقلية وليس مجرد التشابه.

وما بيناه هو نفسه في الرد على الملحدين وأن ما يذكرونه من استدلالات هي مجرد أوهام ومغالطات لا علاقة لها بالقياسات العقلية .

وأما باقي التفصيلات وهي كثيرة سنجمعها إن شاء الله تعالى في رسالة خاصة .

**   **   **

بقلم : د. ربيع العايدي / مفكر إسلامي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية