السمات الفنية لشعر الوجدان الصوفي:
ومن خلال ما سبق يمكن استخلص أهم سمات الشعر الوجداني لدى الصوفية، والمتمثلة في :
- الشعر الصوفي الوجداني ذاتي يحمل في طياته نفحات قرآنية، وإشراقات نبوية، ونظريات فلسفية فيما يتعلق بوحدة الوجود، واحتقار المادة وعالمها.
- لجأ الصوفية إلى شعر الوجدان للتعبير عن تجاربهم الروحية ومواجيدهم، وأحوالهم، فالتجربة الصوفية عمل من أعمال الإرادة اللدنية والحدس الباطني، والحب الإلهي أخص مظهر لتك الإرادة.
- لجأ الصوفية إلى لغة الشعر الحب الوجداني، لترجمة أذواقهم وأحوالهم، لأن لغة العقل عاجزة عن ذلك، فاستعملوا إشارات ورموز ومصطلحات خاصة بهم، وشرحها بعضهم كما فعل ابن عربي في وضعه قاموسا للمصطلحات الصوفية، وذلك لتيسير الفهم والرد على المشككين والمكفرين من المتكلمين والفقهاء والمناطقة.
- زخر الشعر الصوفي الوجداني بنغمات غزلية تُشبه نغمات شعر الحب العذري في الأدب العربي، لكنهم شحنوها بدلالات خاصة، وما ليلى، وهند، وسعدى، إلا أسماء معبرة عن حضرات وأذواق في المحبة الإلهية، وأحوال في الترقي للوصول إلى الحقائق الروحية.
- شعراء الوجدان الصوفي تغنوا بالخمرة والسكر ،ونظموا على غرار شعراء الخمرة في الأدب العربي ،لكنهم ألبسوها ثوباً من المعاني الجديدة الخاصة في طريق القوم في السلوك إلى حضرة الله ،وما لم يُعبر عنه العقل دهشة في عالم الملكوت وعظمة الخالق ،وغياباً عن المحسوسات وعجزاً عن التعبير، سموها سكراً وتفننوا في إيجاد مقابل لها بما هو حسي عند شعراء الخمرة ، وتضيق الأواني اللغوية بما تحمله المعاني الربانية ،فكان عندهم الجمع ،والفرق ،والسحق ، والمحق، والصحو ،للتعبير عن تلك الحالات الوجدانية أثناء سكرهم ،وقربهم إلى حضرة المحبوب.
- منبع المعرفة الصوفية القلب لا العقل، وقد أشار إلى ذلك أبو العلاء عفيفي في قوله:«فإن الحقيقة عندهم شيء يُحب ولا يتعقل، والعلم بها يُتذوق ولا يُعلل أو يُفسر، ثم هي فوق كل هذا شيء يتجلى للقلب في القلب، لا يصعد القلب إليها ولا تهبط هي إليه، لأنه منها وهي منه، فهو المرآة الصغيرة التي تنعكس على صفحتها صور العالم الروحي الكبيرة، أو العين التي يُبصر فيها الصوفي عالم الغيب المحجوب».