آخر الأخبار

جاري التحميل ...

  1. في هذا المقال سنذكر لمحة موجزة عن منهج الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى في التربية والتعليم والتزكية والإصلاح والتجديد

    ردحذف

شرح قصيدة المنفرجة-5


والخَلْقُ جَميعًا في يدِهِ * فَذَوُو سَعَةٍ و ذَوُ حَرَجِ

"جَميعًا" فعيل بمعنى مفعول من الجمع، وهو ضم المتفرق و"اليد" في الأصل الجارحة، وتُطلق على النعمة مجازًا لصدورها عنها، وعلى القُدرة أيضا لظهور سلطانها، ولما أضافه إلى المولى سبحانه وتعالى، فالظاهر أنه أراد به القدرة. و"السِّعَةُّ" مصدر من وَسَع إلى سعة إذا صار واسعاً وحقيقة الواسع كل محل يحتمل من الأجراء والأعيان أكثر ما يحتمله ضده الذي هو الضيق. و"الحَرَ" الضيق، والمعنى أن الخلائق كل واحد منهم كائن وفي نفوذ قُدرَتَه تعالى فيه بما أراد، فمنه العطاء والمَنع والضرّ والنّفع والسِّعَة والضيق، لا يبال عمّا يفْعَل  وهو أحكم الحاكمين.

ونُزولُهُمُ  طُلوعُهُمُ * فإلى دَرَكٍ وعلى دَرَجٍ

"النُّزُول" الانتقال من عُلو إلى أسفل، ويُستعار لتبدّل الأحوال الشريفة بالخبيثة. و"الطلوع" ضده فيهما. و"الدّرج" اسم جنس، واحده دَرَجة وهي المرقاة، وأيضًا الواحدة من طبقات المراتب المُرتفعة. و"الدّرَك" بفتح الرّا وسكونها .. ومنه دَرَك جهنم وهي ضد الدّرَج، ومِن ثَمَّ قيل :"الجنة درَجات والنار دَركَات" وأشار في هذا هذا البيت والذي قبله إلى معنى قوله تعالى : { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة:255] لينبِّه إلى استشعار الخوفوالرَّجاء والتوكُّل والتّسليم لأمر الله والتفويض إليه في كلِّ الأُمور، وليؤكِّد أمر الصّبر الذي هو أساس التقوى من حيث أن القيُّوميّة مقتضاها تفرُّد الحقّ بالقيام على خلقه في الدنيا والآخرة، ولمّا كان المعنى الشريف يُوجب لمن قام به منزلة عند الله وعند الناس، وضده يوجب الانحطاط استعار النّاظم لذلك الطلوع والنزول :

ومعايشُهُم و عَواقِبُهُم * ليستْ في المَشْيِ على عِوَجِ

" المعيشة" من العيش وهو الحياة، اسم لِما يُعاش به من المطاعم والمشارب، و"العاقبة" آخر الأمور، و"المشي" معروف، وهو هنا استعَارَة لحصول المعايش والعواقب شيئًا فشيئًا؛ فكأنها مَاشية إلى ما ينتفع بها قاصدة إليه، وفي هذا إشارة إلى الإجمال في الطلب، فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم : (اتَّقُوا اللهَ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ)1، فالحرص حينئذ لا يحصل شيئا لم يقدر، وضده لا يمنعه، و"العِوَج" بكسر العَين ما كان غير منتصب القامة كالارض، وأما ما كان منتصبًا كالرمح فهو عَوَج بفتحها، ومعنى البيت أن معاش الخَلق وأسبابهم في الدنيا وعواقبَهم في الآخرة مراده تتوجّه إليهم في سابق علمه ونافذ حكمه، ليست اتفاقيّة فتكون مضطربة غير مستقيمة، بل هي في ترتيبها وتقديرها كطلوعهم ونزولهم وصحتهم وحَرَجهم.

***
1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:أَيُّهَا النَّاسُ ، اتَّقُوا اللهَ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا ، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَاتَّقُوا اللهَ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، خُذُوا مَا حَلَّ ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ.-أخرجه ابن ماجة (2144), والحاكم (2/5 ، رقم 2135).


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية