يا مَن ظهر كبرياء مجده في أستار عرشه، ورَقَمَ على صفحات الوجودِ أنوارَ رَقوم فردانيته بباهر نقشه، وقَهرَ مُعاندي أحكامه وإرادته بأيدي قوّة قدرته وبطشه، لك الحمد الدائم الأبدي، والشكر المتوالي السرمدي، مِن عبدٍ أغدقتَ عليه سُحُبَ الآلاء، وأغرقتَهُ في تَيَّارِ بحار الجودِ والنعْمَاءِ، فمهما بالغ فالعجز وصفُهُ اللازِمُ ، وكيف إجتهد فالتقصير لهٌ نعتٌ بهِ قائم، وأنَّا للحامد أن يبلُغَ كُنهَ حَمدِ المحمود، وقد بدأهُ بالنِّعَم قبلَ الاستحقاق، وأجرَى خَفِيَّ لُطفهِ في جميع أموره من حيث لا يدري من قبل أخد الميثاق، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك شهادة موحد مؤمن بالغيب، شهادَةً خاليةً من الشك والعيب، جاليةً عن القلب كلَّ وهمٍ ورَيبٍ، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدًا عبدكَ الذي فتحتَ بهِ طلاَسِمَ كَنزِ الكَونِ، ورسولك الذي منحتَ بهِ مَن شِئتَ مزيدَ العناية والصون، ونبيُّك الذي أَمْدَدْتَ بقواه من استمد منك الحمايةَ والعون، فهو المختارللكرامة فبل خلق الأشياء، والمصطفى للرسالة قبل إيجاد الوجود والأشياء، وهو رضيع ثديِّ الوحي، وحاملُ سِرِّ الأزل، وحافظُ ودائِعِ الغيب، ورافعُ لواء الحمد، وعاقدُ راية المجد، وشاهدُ أحكام القَدَرِ، ومشاهدُ أنوار التَّعَيُّنات الأوَّلِ، حاكم العدالةِ ومظهرُ الرسالة، ميزان العدل ولسان الفضل، ومَشْرَعُ الكرَمِ، ومَعدِنُ الحِكَمِ، ومَقَرُّ النِّعمِ، حاكمُ الشَّرعِ وشارعُ الأحكامِ، ومالكُ الأمرِ ومَلِكُ الأنامِ، مُريشُ جناح النجاحِ للطائر في طلب الفلاحِ، انفرد في سلطان عزِّهِ، وتوحَّدَ في سَلطنتهِ فانقادت مُلوكُ الحُكْمِ طائعةً لهيبة جلالهِ، ودانت ممالكُ الأحكامِ خاشعةً لتعظيمِ إجلاله، وحامت أطيارُ البلاغة حول حماه، ورَضعت أطفالُ العلوم ثديَ هُداه، ومَحقَ سيف سطوته مَن خالفَهُ وعاداه، وحمى بِحُسَامِ عزمهِ مَن اعتصَم بحبل حمايته، ورعى من التزم بَابَه العالي بمزيد رعايته، فعليه مدارُ أمرِ الدين، وبأسبابه أنيطت منازل الكونين، فمنازل الزلفى لا يسكنها إلا المتشبثون بأديال شريعته، ومقَارُّ القُربى لا يجلسُ فيها إلا المستأنسون بأنوار هديه وملَّته، الحواسُّ كلها مأسورة لجماله، والأَلْسُنُ خُرْسٌ عن مناجاة غيره، والآذان صُمٌّ عن سماع كلام سواه، والنواظِرُ عُمْيٌ عن ملاحظة ما دُونَه فعنه وإلا فالمحدث كاذب، وإليه وإلا لا تُشَدُّ الركائب.
لَمَا ضٌرِبَتْ فى المَلَكُوتِ الأَعلَى نَوبَةُ { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وَتَلأْلأَتْ في العٌلَى أَنوارُ { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} ونٌشِرَتْ فى السَّمَاءِ أَعلامٌ { فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } وَأَشْرَقَتْ في عَالَمِ الضِيَاءِ أَشِعَةٌَ { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} وأبرزت يدُ القدرَة شخص آدم من كِنّ كُنْ إلى بُنيَةِ تَسوية الهيكل جالساً علي سرير جلالته متوَّجاً بتاج كرامته، نظرت إليه سكانُ الصفيح الأعلى بأحداق الدَّهَش، وأشارت إليه أَيدي ملائِكَةٌ السٌّرَادِقِ الأَسنّىَ بِأَنَامِلِ التَّعجب، ولَمْ يَسْتَبِنْ لَهٌم مَعَانى رَمَوزِ كِتَابَةَ صُورَتِه وَلَم يَفهَموا إِشَارَاتِ حَقَائِقَ كُنهِ بَشريتَهِ، وإِنقَطَعتْ عِبَاراتٌ فَصَاَحَتِهِم عن فِهَمِ كنهِ سِرْهْ، وعَكَسَ القَدَرٌ عَلَيْهِم دَعوى مَنزِلَةِ {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} بِاعْتِرَافِ شَاهِدِ {لَا عِلْمَ لَنَا} نَّادَاهٌم لِسَان العِزَّةِ مِنْ جَنَابِ القِدَم ، ياَ أَربَابَ صوامع النور هذا أَولٌ نٌقطَةٍ قَطَرت من رأس قلم القدرة على لوح إنشاء العالم الإنساني عن استمداد مداد الأزل، وأَولَّ سهم رٌشِق عن قوس القضاء الآلّي إلى الفضاء الوجودي عن قوة رأي القدر الأحدي وأَول طوالع الصور، متقدمة بين عساكر البشر، هذا أبو الأنبياء وعنصر الأصفياء هذا شكلهم على حروف الإنشاء، ونَقْطٌ على كلمات الكون، وإنسانٌ في عين شخص العالم نَهَضَ لِيَرقي في مقامات التعالي عن عنصر الصَّلْصَالي، فَارًّا مِن تَلَهٌبَ الفَخاَّر، فتعلقت بِزيِرِ فَخرِهِ يدٌ حَمَإٍ مسنون، وتمسكت بأَرْدَانِ عزه أَنَامِلُ سُلالَةٍ من طين، فَقَالَ القَدَرُ دعوه فَبِجَنَاحِ إِصطِفَائِنا مَطَارُهُ، وبِإِضَافَةِ آيَاتِنا فَخَارٌهٌ ،فَلَّيسَ المُفَضَّلُ إِلا من إاجتَبَينَاهُ، وَلا المُكَرَمُ إِلاَ من إِختَرنَاهُ، وَكَان الشخصُ المحمديُّ والنورُ الأَحمديُّ ملكوتيَّ الأياتِ، غَيبيَّ الإِشَارَاتِ، قد شَرٌفَ مِن قَبلِهِ بِخَصَائِصَ الكَرَم، حتى صار سَبَباً لِخُروجِهِ مِنَ العَدَم، فَبِشَرفِ المُصطفى قَامَ عَمُود خيمة الكون الكلّي، وبجلاله إنتَظَم سِمْطٌ الوجودِ العلوي والسفلي، وهو سرُّ كلمة كتاب الملِك، ومعنى حرف فعل الخلق، وقلَمُ كاتبِ إنشاءِ المحدَثات وإنسان عين العالم، واسطة عقد النبوة، ودُرَّةَ تاج الرسالة، وقائدُ رَكْبِ الأَنبيَاءِ، وَمُقدِمَّةِ عَسكَرَ المرسلين، وإمام أهل الحضرةِ، فهُوَ أَولى في السبب، وأحرى في النسب، إِذ هُوَ الأبٌ الأَكبَرُ لأَهلِ الوُجُودِ، والأَصلُ الأَفخَر في إِيجَادِ كل موجود، تَّادّى نوره إلى آدم، ومنه إلى خيار الذرية في هذاالعالم يَنْتَقِلُ مِن صٌلبٍ طيبٍ إلى رَحِمٍ طاهرٍ، إلى جَدِّهِ عبد المطلب وَبِبَرَكَتِهِ تَطَهَّرَ هذا النسبُ مِن كٌلِ شين، وتََزَكى من كلِ قُبحٍ ومَيْن، إلى أن بَزَغَتْ شمسُه الباهرة، فكان شرفاً لأهل الدنيا والآخرة.
بُعِثَ بِالنَاموسِ الأَكبر مٌؤيَداً بالدِرّع والمغفرة ، وقَام يدعو إلى الله على بصيرة، فَطَوَّع الله لَهُ كَبِيرَ العاَلمِ وَصَغيره، وَقَامَت بِقِيَامِهِ أَشخَاصُ الآيَاتِ، وَظَهَرَتْ بِظٌهِورِهِ مُخََبّاتُ المٌعجِزَاتِ،،بُعِثَ في عَصرِ الفٌصَحَاءِ فأَخرَسَ بِفَصَاحَتِهِ بَلِيغَ ألسِنَتِهِم، وَسَجَدَتْ لِعِزةِ إِشَارَاتِهِ رُؤُسِ عُقَولِ مَعَارِفَهِم، وَبَرَزَ لِجُمُوعِهِم فِى مَوَاكِبِ جَحَافِلِهِم فَذَلّلَ الفُصَحَاءِ ب{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ } فَكُسِفَت شُمَوسُ أَفهَامِهِم فِى جَوَامِعِ كَلِمِه، وَخَشَعَت بُدُورِ أَفكَارِهِم فِى لَوَامِعِ حِكَمِه ، أَتَاهُ الرُوح الأَمين مِن عِندِ رب العالمين وَحَملَهُ عَلى جناحِ البُرَاقِ، وَخَرَقَ بِهِ السبعَ الطِّبَاقِ لِمُشَهَادةِ جَمالِ الجلالِ الأَزَلِي ومُحَاضَرةِ كَمَالِ العز الآَبَدِي، والليلُ مَمدودَ الرَّوَاق مضروبَ السُّرادق علي الآَفاقِ، والوقْتُ قد صار أَعبَقٌ مِن نَسيم روض الزَّهْر، وأَشرقَ مِن نُور الفجر بعد السَّحر، طُوِيَ لَهُ بساطُ البسطِ بيد { أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } والتَفََّتَْ لَهُ اَطراَفُ لفضَاءِ بِأَمرِ { ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } وَعُرِضَت عليه معالمُ السماءِ، وَمَلَكُوتُ العٌلى فى حُلّةِ { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا } وزُفَّت عليه مُخَدراتُ أنباءِ الكَونين، وَاَسرار المُلكَيْن، وأُمُورُ الدارين، وعلومُ الثقلين في مجلس { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ } وأتتهُ رؤساء الرُسلِ مُسَلِمَةً عليه وهو بالأُفِقِ الأَعلى، وَقَد كَانت أُمِرَتْ أُمَرَاؤُهُم أن تَجلِسَ على أَبوابِ السماءِ تترَّقبُ وُفُودَهُ عليهم، وَأَقبَلَتْ مُلُوكُ الأَملاك ِ تَسعى حُجَّابَاً بين يديهِ إلى سدرةِ مُنتَهَىَ مَقَامِهِم، وَقد كانت سُئلِت سَادَاتهُم أَن تُمَتِّع أَبصَارَهم وتُسرَّ سَرَائِرَهُم بِمُشَاهدةِ طلعته، وَمُلاحظةِ بَهجَتِهِ، فَغشي سدرة منتهى عقولهم، وغايةُ علومهم من أنوارها ماغشيَ أبوابَ السماءِ مِن إشراقِ ضِيَائِهِ، فَبُهِتَتْ لِجلالهِ أَحداقُ أشباح النور، وَدُهِشَت لجمالِهِ أَبصارُ سُكَانِ الصفيح الأعلى، وخشعت لهيبته أعناقُ أَهل السُّرادِقَ الأسنى، وخَضَعَت لِعِزَّتِهِ أَصحَابُ صوامعِ النور، وَشَخَصَتْ لِكَمَالِ مَجدِهِ أَعيُنِ الكَرُّ وبيين والروحانيين، ووقفت الملائكة صفوفا من المقربين، وابتَهَجت حَضَائِرُ القُدس بِزَجل المُسبحين وتَأَرَّجت معالِمُ التنزيه بِأَنفاسِ المتواجدين، واهتَزَ العرشُ والكرسيُّ طرباً برؤيتهُ، وَزُيِّنَتْ الجنانُ الحسانُ فَرَحَاً بِمَقدَمِهِ، وماجَ الكونُ بِأَهلِهِ مِن إعجابِهِ وزَهوه، وَافتخر العُلى على الثرى بِما رأى، وأَشرَقَ إِيوان السماءِ بِالأَضواءِ، وسما كِيوانُ العُلاء بالسناء، وإِنكَشَفَت لعين المختار الأسرار، ورُفِعَت لصاحبِ الأنوار الأستارُ وتقدم به الروح الأمين إلى دائرة { وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } وقَالَ لَهُ يَا أَيُها الحبيب تهيَّأ لِتَلقَى الله وحدك خاليًا، وزَجَّهُ في النورِ وتَأَخرَ عنه، وعند التناهى يَقصُرُ المُتَطَاول، فَوَقَفَت أَشخَاصُ الأَنبياءِ فى حَرَمِ الحُرْمَة، على أَقدَامِ الخِدمةِ، وَقَامت أَشبَاحُ الملائكة في معارج الجلال، على أَرْجُلِ الإِجلالِ، وهَامت أَرواحُ العشَّاق في مقامات الأَشواقِ، لَعَلَّها تَرَاهُ في رُجْعَاهُ، لِتَنْشَقَ من مُحياهِ نسيمَ مَنْ تَهوَاهُ، فَانْتَهى مَسْراهُ إلى مستوىً أَهيب، تُسمَعُ فِيهِ صَريرُ أَقلام أَعْلاَم الوحي، على صفا صفحاتِ اللوح الأعظم وسار على نور رفرف النور الأعلى، وطار بجناح الأشواق إلى مقام {دَنَا فَتَدَلَّىٰ} وأنزله مَضيفُ الكرم في روضةِ {قَابَ قَوْسَيْنِٰ} وَبَسَطَ لهُ فرَّاشُ الدنو فراشَ { أَوْ أَدْنَى }، سَمِعَ مِنْ جَنَابِ الرفيع الأعلى، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، تلقَّاهُ الحبيب بالإكرام، وناداهُ الجليلُ بالسلام، وَبَسَطَ مُنقَبِضَ رَوعَتِه وَآَنَسَ مُنزَعِجَ وحشتهِ، فَوَعَى مُخَاطَباتِ { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ } كُوشِفَ بِعِيَان {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} هَمَّ أن يجيب السلام سبقه، القَدَر فَفَتَحَ فَاهٌ فَقَطَرَت فِيهِ قَطرَةُ مِن بحر العلم الأزلي، فَعَلِمَ بِها عِلمُ الأولين والآخرين، وقال لِسانُ خُلٌُقِهِ العظيم، وَجُودِهِ العميم، هذه حضرةُ الكرم، وَعَرصَتُةُ النِّعم، ومعدن الرحمة، وجنابُ الفضل، وبساطُ الفتوة ومنبع الخيرات، ولا يليقُ في شَرعِ المكارِم التخصصُ على الإخوان ولايَحْسُنَ في حُكم ِالموافاة تَرْكُ مُواساة الأحباب فعطف بعواطف مراحمه، وأثني عليهم بمعاطف بره، وجعل لهم نَصيباَ من شرف منزلته، وَبَرَكَةً من صالح دعواته، وَذَكَرَهُم حيثُ ينسى الذاكرُ نفسَه، وَلَم ينسهم في مقام انفراده بالفرد ومناجاته للرب، فقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فَنَادَاهُ الحبيبُ ياسيد السادات وإمام أهل الكرامات لَكَ الجلالَةَ أولاً وآَخِراً، والمَفَاخِرٌ بَاطِناً وظَاهِراً، وكٌّل المرؤةَ والوفا والفتوةَ والصفاَ { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } {أَلَمْ نَضَعْ عَنْكَ وِزْرَكَ،الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ}أَلَمْ نَرْفَعْ لَكَ ذِكْرَكَ } ألم نشرفك في الأزل على جميع الرسل، ألم نرسلك للأحمر والأسود، ألم نٌؤْثِرِكَ فِي عليين المجد الأمجد، ألم نجعل عيسي { مُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } ذاك يقول { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي } وأنت يقال لك { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } ذاك يقول { رَبِّ أَرِنِي } وأنت يقال لك { الَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ } أنت في الدنيا على أمتك شهيد، ولايكون في الآخرة إلا ماتريد، فإذا فرغت من تمهيد شريعتك { فَانْصَبْ } وإلى ربك في أمتك { فَارْغَبْ } ياسيد الوجود طُورُك ليلة أُسريَ بِكَ رَفرَفُ النور والوادي المقدسُ لك قاب قوسين والبُلْبُلُ الذى يُرَجِّعُ لَكَ شَهِيُّ اللحون {فأوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى} مَطلُوبُ مُوسى قد سجل لك به سجل { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } أنت آخرُ حرفٍ كُتِبَ في ديوان الأنبياء، أنت أَعظَمُ سَطرٍ رقم في منشور{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا } زُفَّت عَرُوسُك في محل الأفق الأعلى فكان من بعض خلِعِهَا { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ } قد ًصِيغَ لمَفرِق جبين الوجود من شرفك تاجُ لم يُصَغْ قَطُّ للإَنبِيَاءِ كُلهم ماقدروا على عزِّ ليلةِ { أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } ولاوجدوا نسمةًً مِن نَسَماتِ رَوض { قَابَ قَوْسَيْنِ } ولاقيل لأحد منهم كِفَاحاً السلام عليك أيها النبي، تأَخّر الكُلُّ عند حِجاب { أَوْ أَدْنَىٰ } تَقَدمَ صَاحِبُ {دَنَا فَتَدَلَّىٰ} وجُلِيت عليه عرائس الأكوان في خِلع القدارى، ما تلفّت إليها بعين الاشتغال، بل تأدب بأدب { لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } ياخاتم الرسل أنت روحُ جسد الوجود، أنت وردُ بستانِ الكون أنت عين حياة الدارين، لَكَ نُظمَت تَمائِمُ الوحي، على مَشامِّ رُوحِكَ هَبت نَسَماتُ عطفِ لُطْفِ القِدم، لَكَ عَقَدَ القَدَرُ لِواءَ { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } بِعِطر الثناء عليك تأَرّجَ الملكوت الأعلى، من نور علومك اَضاءَ مِصباَحُ الشرع، بمصابيح كلماتكَ تشرق سماوات الحِكَم.
قَاَمت الأَنبياءُ صُفُوفاً خلفَهُ لِتَأتَم بِجَلالَتِهِ في مَشهد شَهَادَتِهِم بِتَقدِيمِهِ عليهم، فنادى منادى القَدَر يا أصحاب أوكارِ السعادة وأرباب المحجة على الخليقة هذا ثَمَرُ العُلا، هَذَا شَمْسُ السَّنَا، هَذَا دُرة تاج الأنبياء عليهم السلام، فَاتصلت الرسائل بين المحب والمحبوب، فقال المحبوب المقرب إلهي ملحوظ نعمتك ومحفوظ عصمتك وطفلُ مهدِ عهدك، وغذيٌُ لبانِ لٌطفِكَ، وَرَبيٌّ حجر جودك، قد كّل بسانه دهشاً في مُترادَف آلائك، وحَارَ بَصَرَهُ في مراتع نعمائك، فاحلل عقدة لسانه، واكشف أستارَ بيانه وأَيد قُوى جَنانه، فَأَجَابهُ الجليل جل جلاله وعز نواله، ها نحن قد رفعنا عنك أستار الجلال، وأيدنا لك صفات الكمال لترى ما وراء رِداء الكبرياء، وتنظر ما فوق العظمة، ومع هذا قد جعلنا قلبك بيت الحكمة ولسانك محل الفصاحة، وعنصرك معدن البلاغة، فإذا رجعت من سفر الإسراء ف{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وبلغ خَلقي أنني { قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } فنطق صاحب الرسالة بلسان { لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ } ثم عاد ورُؤساءُ الملائكة تضع جباهها في مواطئ قدميه، والروح الأمين يحمل غاشية فخره بين يديه، وآدم يرفعُ أَلوية جلالته، وإبراهيم ينشرُ أَعلام كرامته، وموسي يعيده عودة بعد عودة لينظره نظرة بعد نظرة، وعيسي يريد أن يتولى إخبار أهل الأرض بما شاعَ في أرجاء السماء، من أخبار صاحب {قَابَ قَوْسَيْنِ} هذا وبين يديه صلى الله عليه وسلم يُنادي شَاويشُ {هَٰذَا عَطَاؤُنَا} ويترنم بأناشيد { عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } تاج شرفه { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ } طراز حلته { مَا زَاغَ الْبَصَرُ } نادى منادي سلطان عزه في طبقات الأكوان وصفحات الوجود بلسان الأمر بالتشريف { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.
نسبه الشريف أطهر الأنساب، من خيرمختدٍ، من أزكى عنصرٍ، من أفضل أصلٍ طاهرٍ، وحسبه الخطير أكرم الأحساب، من أطيب خيم، من أعرق نِجار، من أكمل مجدٍ باهِرٍ، وقد يشرف الأصل بشرف الفرع، ويفخر التَّالِدُ بالطاَّرِف ولا بدع، ففضله عمَّ الآباء والأبناء، وبركته شملت الأموات والأحياء، فبه فخر الأسلاف والأخلاف، ومنه شرف الأواسط والأطراف، عَمُودُ نَسبِهِ رَصِينُ الثُّبُوتِ، وبَيتُهُ أَشرفُ البُيُوتِ، وآله أفضَلُ الآلِ، ثبت لهُم بِجنَابِهِ الوَقارُ والإجلالِ، اسمُهُ مِن أحبِّ الأَسماءِ، مُحمَّدٌ في الأَرضِ وَمحمُودٌ في السَّماءِ، خاتمُ النبيِّين، أشرفُ المُرسَلين، أكرمُ الخلقِ على الله، وأَعظمُ الناس قدرًا لديهِ، صلُّو وسلِّموا عليهِ.
حُمِلَ بمحمَّدٍ في لَيلَةِ الجُمعَةِ من رَجَب، ولم يُوجَد لحملِهِ ثَقلٌ ولَا تَعَبٌ، العجائبُ الظَّاهرَةُ في حَمْلِهِ أَدَلُّ دَليلٍ عَلى تَفَرُّدِهِ فِي فَضْلِهِ، زُخرِفَت الجِنَان، ابْتَهَجَت لهُ الأَكوَانُ، أُغلِقَت أَبوابُ النِّيران، دُحِضَت حُجَّةُ الشَّيطان، ذُلَّت الأَوثَان وَالأَصنَام، تساقطت لمَولِدِهِ سُرُفات الإؤوان، ضاءَت الأَحْلَاك، اسْتَنارت الأَفلَاك، ضَجَّت بالتَّسْبِيح الأَملَاك، في كُلِّ شَهرٍ مِن شُهُورِ حَملِهِ يُنادِي مُنادِي شرفُه وفضلِه، أبشروا بالمغانم آن أن يظهر أبو القاسم، صاحب العلامة والخاتمِ بأنواع المكارم والمراحم ، ولم تزل مُدَّة حملهِ الكرامات تتوالى والخوارقُ تَتَوارد، وألسنةُ البشائرِ تتطارحُ أحاديثُ شرفه وتتناشد، إلي أن آن أوان ظهوره، وأشرق الوجود بباهر زاهر نوره، وأضاءت الدنيا، وتزخرفت منازل الملكوت الأسنى، ونودي من الصفيح الأعلى، يا سكان البسيط الأدنى، اقتبسوا من أنوار ضياء المبعوث سراجًا منيرا، واشربوا من رحيق مختوم كأس هديه شرابا طهورا، فإنكم في خفارة إمام الأنبياء، هذا وأشباح ملائكة الله صفوف لاستقباله، وأرواح رؤساء الأنبياء حضور لاقتباس أنوار جماله، واستترت الشمس السمائية لظهور الشمس الأرضية، واختفت الكواكب حياء من طلوع نجم يثرب، وأنطقت الشهب بتبلج شهاب مكة ، واندرجت الأنوار في شعاع نور محمد، وجليت عروس أحمد على كرسى حسنه المفرد، وولد صلى الله عليه وسلم.