أين هم يا وليي من قوم وصفهم أبو الفيض حيث قال : إن لله لصفوة من خلقه وأن لله لخيرة، قيل يا أبا الفيض، ما علامتهم ؟ قال : «إذا خلع العبد الراحة ، وأعطى المجهود في الطاعة ، وأحب سقوط المنزلة». ثم قال :
منع القران بوعده ووعیده … مقل العيون بليلها إن تهجع
فهموا عن الملك الكريم كلامه ... فهما تذل له الرقاب وتخضع
فقال له بعض من كان في مجلسه : من هؤلاء القوم يا أبا الفيض رحمك الله ؟ قال : ويحك، هؤلاء قوم جعلوا الركب لجباههم وسادا، والتراب لجنوبهم مهادا، هؤلاء قوم خالط القرآن لحومهم ودماءهم، فعزلهم عن الأزواج، وحركهم بالإدلاج، فوضعوه على أفئدتهم فانسرحت، وضموه إلى صدورهم فانشرحت، وتصدعت هممهم به فكدحت، فجعلوه لظلمتهم سراجا، ولسبيلهم منهاجا، ولحجتهم إفلاجا، يفرح الناس ويحزنون، وينام الناس ويسهرون، ويفطر الناس ويصومون، ويأمن الناس ويخافون، فهم خائفون حذرون وجلون مشفقون مشمرون، يبادرون من الفوت، ويستعدون للموت؛ إلى آخر القصة.
كما حدثنا أبو الحسن علي بن موسی سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : ثنا أحمد بن أحمد قال : حدثنا أحمد بن عبد الله قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أحمد بن محمد بن مصقلة قال : حدثنا أبو عثمان الخياط عن أبي الفيض ذو النون بن إبراهيم المصري وهو كما علمت يا وليي من ساداتنا ، فهذا وصفه لأولياء الله وبهذا حلاهم وهكذا شاهدهم ورآهم، ولقد لقيت بهذه البلاد من يلبس سراويل الفتيان، ولا يستحي في ذلك من الرحمن، لا يعرف شروط السنن والفرائض، ولا يصلح أن يكون خديما في المراحض، ومع هذا يا وليي، فهم و الله الصدف الذي يخفي رفيع الدرر، والسياج على الروضة البائعة ذات الزهر، يدخل بينهم الصادق والصديق فيجهل، والعارف المتمكن فيترك و يهمل، فإنه يحمل ما هم عليه لاشتراكهم في المسكن، وما بينه وبينهم معاملة في شيء، ولقد وقع بيدي منهم بمصر في الخانقاه بالقاهرة كهل يقربه أن يكون رجيلا لا بأس به ، ففرحت به لما لم أجد غيره.
واجتمعت مع شيخ يدعى فيهم شيخ الشيوخ بأربیل هكذا قال لي بنفسه، ورأيته يعطي النصف من نفسه للمتكلم معه رضي الله عنه ، فزعم أن ليس لله في الغرب من يعرف الطريق إلى الله تعالى ولا يتعرفه، فأراد وليك أن لا يشافهه بخطاب ولا يتعرض إليه، ، ثم رأيت ذلك قاصمة الظهر وقارعة الدهر فأبدينا له يسيرا مما وهبك الله من الأسرار، ثم أعقبناه ببعض أحوال سيدنا أبي مدين خلاصة الأبرار، فبقي مبهوتا بما سمع، وقال : ما تخيّلت أن يكون مثل هذا في بلاد المغرب ! ثم ألقى عليه بعض أصحابنا مسألة من الحقائق الإلاهية المتوجهة على إيجاد جهنم، فوالله ما زاد على أن قال : لا أدري شيئا، وأنصف من نفسه واعترف بنقصه، وهدأت شقاشقه، وطفئت بوارقه، فقلت له : هذا حالك معي وأنا أنقص حظا وأحقر قدرا من أن أذكر فيهم أو أنسب إليهم، فكيف بك لو لاحظت الكبراء والسادة النبلاء الكائنين بالمغرب الغرباء ؟ فسلم واستسلم، وحمدت الله على ما ألهم وعلم .