مخطوطة
العنوان : مولد الرسول صلى الله عليه وسلم
المؤلف : الشرباتي ، عبد الكريم ابن احمد
** ** **
هذا مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، الحَمْدُ لِله الَّذي شرَّفَ الأَنامَ بِصاحِبِ المَقامِ الأَعْلَى، وكَمَّلَ الوُجودَ بِأَكمَلِ مَوجُودٍ ومَولُودٍ حَوَى شَرَفًا وفَضلًا، شَرفَ بهِ الآبَاءَ والجُدُود ومَلأَ الوُجودَ عَدلًا، حَملَتْ بِهِ أُمُّهُ آمِنَة وأَصْبَحَتْ بِهِ آمِنَة ولَمْ تَجِد لِحِمْلِهِ ثِقلًا، وَوضَعتْهُ صلَّى اللهُ علَيهِ وسَلَّمَ مَختُونًا مَسْرُورًا في خلعِ الحُسْنِ تَبَجُّلًا، بِوَجهٍ لَا يَرَى أَحسَنَ منهُ وَلاَ أَحلَى، بِنُورٍ كالشَّمسِ بَلْ أَضْوَءَ وأَجْلَى، وَخَرَّتْ لِهَيبَتِهِ الأَصْنامُ خُضُوعًا وَذُلًّا، وَارْتَجَّ إيوَانُ كِسْرَى وهُوَ جَالِسٌ بِهِ فَقَدِمَ القَوْمُ نُطْقًا وَعَقْلًا، وَخَمِدَتِ نَارُ فَارِسٍ ولَمْ تَخْمُدْ قَبلَهُ أَصْلًا، وَزُخْرِفَتِ الجِنَانُ يَوْمَ مَوْلِدِهِ وَنَادَتْ أَهْلًا وَسَهْلًا، وأَشهدُ أَنْ لَا إله إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ شَهَادَةً تملأُ الخَافِقَيْنِ نُورًا وفَضْلًا، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ وَخَليلُهُ وَحَبِيبُهُ الّذي لَمْ تَزَلْ مُجَاهَدَاتُهُ وَمُعجِزَاتُهُ عَلَى مَمَرِّ الأَوْقَاتِ تُتْلَى، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَتِهِ الَّذينَ بَذَلُوا فِي حُبِّهِ رَوْحًا وَأَهْلًا.
أَمَّا بعد : فَإنَّ خَيرُ الحَدِيثِ كَلاَمُ اللهِ، وخَيْرُ الهَدْيِ هَدْيَ مُحَمَّدٍ ابْنِ عَبْدِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ : فَيَقُولُ أَحْقَرُ الوَرَى وَخَادِمَ الحَدِيثِ وَالفُقَرَاءِ، عَبْدُ الكَرِيمِ المَشْرَاباتِي رَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً، هذَا دُرٌّ نَظِيمٌ وَعُقْدٌ عَظيمٌ فِي مَوْلِدِي النَّبِيِّ الكَرِيم، إِلْتَقَطْتُهُ مِنْ كِتَابِ المَوَاهِبْ الَّلدُنِيَّة وَمِنَ المَوْلِدِ لِلْعَلاّمَةُ ابْنِ حَجَرَ المَكِّي مَعَ زِيَادَة يَسِيرَة، جَعَلَهُ اللهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ، وَنَافِعًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة بِحُرْمَةِ صَاحِبِ المَدَد العَمِيمِ.
قال تعالى : {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}[التوبة:128]أي جِنْسَهُ عَرَبِيٌّ مِثْلُكُم، وَقُرِءَ {مِنْ أَنْفَسِكُمْ} أَيْ أَشْرَفِكُمْ، {عَزِيزٌ عَلَيْهِ} أَيْ شَدِيدٌ شَاقٌّ، {مَا عَنِتُّمْ} أَيْ عَنَتِكُمْ وَلِقَائِكُمْ المَكْرُوه، {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أَيْ عَلَى إيمَانِنَا وَصَلاَحِ شَأْنِنَا، فَحَقٌّ عَلَيْنَا أَنْ نَحْتَفِلَ بِعَمَلِ المَوْلِدِ الشَّرِيفِ، المُخْبِرِ عَنْ قَدْرِهِ المُنِيفِ، فَلِهَذَا لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الإسْلاَمِ يَحْتَفِلُونَ بِشَهْرِ مَوْلِدِهِ وَيَعْمَلُونَ الوَلاَئِمْ وَيَتَصَدَّقُونَ فِي لَيَالِيهِ بِأَنْوَاعِ الصَّدَقَاتِ، وَيُظْهِرُونَ السُّرُورَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ بِالمَبَرَّاتِ، وَيَعْتَنُونَ فِي قِرَائَتِهِ، وَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَرَكَاتِهِ كُلُّ فَضْلٍ عَمِيمٍ، وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ ابْنُ الجَزْرِيُّ : (أَنَّ مِمَّا جُرِّبَ أَنَّ عَمَلَ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ أَمَانٌ لِفَاعِلِهِ فِي ذَلِكَ العَامِ، وَبُشْرَى عَاجِلَةٌ بِنَيْلِ البُغْيَةِ وَالمَرَامِ) وقال الإمام اليافعي : (مَنْ جَمَعَ لِمَوْلِد النَّبِيِّ إخْوَنًا وَعَمِلَ لِأَجْلِ المَوْلِد إحْسَانًا بَعَثَهُ اللهُ مَعَ الصِّدِّيقِين وَالصَّالِحِينَ)، وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ قَرَأَ فِي المَوْلِدِ فِي بَيْتِهِ إلَّا صَارَتْ فِيهِ البَرَكَة وَيُهَوِّنُ اللهُ عَلَيْهِ جَوَابَ مُنْكَر وَنَكِير) فَرَحِمَ اللهُ مَنِ اتَّخَدَ لَيَالِي مَوْلِدِهِ أَعْيَادًا، لِيَكُونَ أَشَدَّ عِلَّةٍ عَلَى مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَأَعْيَادًا، فَإنَّهُ مَا قُرِئَ مَوْلِدُهُ الشَّرِيفُ فِي مَكَانٍ إلَّا وَتَنَزَّلَتْ بِقِرَائَتِهِ البَرَكَاتُ، وَلاَ قُرِئَ فِي شِدَّةٍ إلَّا وَفُرِّجَتْ مِنْ جَمِيعِ الجِهَاتِ، فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ مَوْلِدَهُ لِلْقُلُوبِ رَبِيعًا وَحُسْنَهُ بَدِيعًا، فَيَا شَهْرًا مَا أَشْرَفَهُ وَأَوْفَرَ حُرْمَةَ لَيَالِيهِ، وَيَا وَجْهًا مَا أَشْرَقَهُ وَأَجْمَلَ مَعَانِيهِ، وَيَنْعِقِدُ فِي سِلْكِ هَذِه النِّظَامِ، مَا هَيَّأَ اللهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ أسْمَاءِ مُرَبِّياتِهِ ذَوَاتِ الفَضَائِلِ والاحْتِرَامِ، فَفي الوَالِدَة الأَمْنُ وَالشِّفَاءُ، وبِاسْمِِ الحَاضِنَةِ البَرَكَاتُ وَالنَّمَاءُ، وَفِي مُرْضِعَاتِه الثَّوَابُ والحِلْمُ، ولقَدْ زَادَهُ اللهُ شَرَفًا وتَعْظِيمًا.