آخر الأخبار

جاري التحميل ...

ذكر الله وتحصيل الحضور

ج - تلقين الذكر


وقد لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته الذكر منهم من خصهم بصيغ معينة، ومنهم من أطلق لهم العنان في ذكر صيغ سنَّها عليه السلام، والحديث يطول في هذا الباب، وإنما نورد هنا في شأن تلقين الذكر حيث الإمام الحاكم عن أَبِي شَدَّادُ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ : (إِنَّا لَعِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ : هَلْ فِيكُمْ غَرِيبٌ ؟ فَقُلْنَا : لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ، فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً ثُمَّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ بَعَثْتَنِي بِهِذِهِ الْكَلِمَةِ وَأَمَرْتَنِي بِهَا وَوَعَدْتَنِي بِهَا الْجَنَّةَ وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ " . ثُمَّ قَالَ : " أَبْشِرُوا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ).[1]

فأَمرُهُ بذكر لا إله إلا الله كما في الحديث ليس أمرًا جديدًا عند الصحابة الحاضرين في هذا المجلس لأنه ابتدأ دعوته عليه السلام بقوله : (قُولُوا لَا إِله إِلَّا الله تُفْلِحُوا)، وهي هنا في الحديث تخصيص بإذن لمعنى من معاني علم لا إله إلا الله من خلال تلقينه (قُولُوا) لهؤلاء الصحابة هاته الكلمة، ثم بشرهم بنتيجة ذلك وهي مغفرة ذنوبهم.

ومما يفيد تلقين الذكر أيضًا ما أخرجه النسائي وأبو النعيم عن عبد الله بن جعفرأنه كان يُعلِّمُ بناته هاته الكلمات ويأمرهم بهنَّ ويذكر أنه تلاقَّهُنَّ عن عَلِيٍّ، وأنَّ عليًّا قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولهُنَّ إذا كَرَبَهُ أمرٌ، أو اشتدَّ بهِ : (لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحانه، تبارك الله ربُّ العالمين، وربُّ العرشِ العظيم، والحمد لله ربِّ العالمين).[2]

وأخرج الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في عوالي سعيد بن منصور عن سلامة الكندي قال : كَانَ عَلِيٌّ يُعَلِّمُ النَّاسَ الصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقُولُ : (اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ ، وَبَارِئَ الْمَسْمُوكَاتِ ، وَجَبَّارَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَاتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا ، اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ ، وَرَافِعَ تَحِيَّتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ ، وَالْفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ ، وَالْمَعْلُومِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، وَالدَّامِغِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ...) الحديث.[3]

ولقد أخد سيدنا علي كرم الله وجهه الصيغة الأولى من الذكر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقّنها عبد الله بن جعفر الذي لقّنها لبناته، ممَّا يُفيد أنَّ تلقين الذكر واردٌ عند الصحابة والتابعين، ثم في الحديث الثاني كان يعلم الناس ويلقنهم صيغة طويلة للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمعها منه، وإنما قالها ولقنها لمن حوله، وهكذا كان الصحابة على دراية بتلقين الذكر ولو أن ألفاظه غير واردة من الرسول عليه السلام، فعن ابن مسعود أيضًا أنه كان يقول : (إذا صلَّيتُمْ على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسِنُوا الصلاة فإنكم لا تدرون لعلَّ ذلك يعرض عليه وقولوا : (اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين وخاتم النبيئين محمد عبدك ورسولك...).[4]
**   **   **
1 - المستدرك ج 1 ص 501.
2 - حياة الصحابة ج 1 ص672.
3 - الشفا القاضي عياض ج2 ص 73.
4 - الشفا القاضي عياض ج2 ص 73

                              السابق    التالي                                       

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية