قَالَ صَاحِبُ المَوَاهِبِ رَحِمَهُ اللهُ :
أَرى كلَّ مَدْحٍ بِالنَبِيِّ مُقَصّراً * وَإِنْ بَالَغَ المُثْنِي عَلَيْهِ وَأَكثَرا
إِذَا اللَهُ أَثْنَى بِِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ* عَلَيهِ فَمَا مِقْدَارُ مَا تَمْدَحُ الوَرَى
قال : لمّا تَعلَّقَتْ إرَادَةُ الحَقِّ بِإِيجَادِ خَلْقِهِ، أَبْرَزَ الحَقِيقَةَ المُحَمَّدِيَّة مِنَ الأَنْوَارِ الصَّمَدَانِيَّة فِي الحَضْرَةِ الأَحَدِيَّةِ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ تَعَالَى نُبُوَّتِهِ وَبَشَّرَهُ بِرِسَالَتِهِ هَذَا، وَآدَمُ كَانَ بَيْنَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ، ثُمَّ تَفَجَّرَتْ مِنْهُ عُيُونُ الأَرْوَاحِ، فَظَهَرَ بِالمَلَإِ الأَعْلَى وَهُوَ بِالمَنْظَرِ الأَجْلَا، فَكَانَ لَهُمْ المَوْرِدَ الأَحْلَى، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالجِِنْسِ العَالِي عَلَى جَمِيعِ الأَجْنَاسِ، وَالأَبُ الكَبِيرُ لِلْمَوْجُودَاتِ وَالنَّاسِ، فَكَانَ يَنْتَقِلُ فِي الأَصْلَابِ الزَّكِيَّة، وَالأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ النَّقِيَّة، مِنَ الأَصْلاَبِ المَرْضِيَّةِ، إلَى بُطُونِ العَفَائِفِ الطَّاهِرَةِ المُطَهَّرَاتِ، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ أَبَوَيْهِ الكِرَامِ مِنْ أَهْلِ دَارِ السَّلاَمِ.
فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمَ، لاَ تَلِج النَّارُ جَوْفًا فِيهِ قَطْرَةٌ مِنْ فَضَلاَتِهِ، فَكَيْفَ تُعَذَّبُ أَرْحَامًا حَمَلَتْهُ ! وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ :
لَوَالِدَيْ طَهَ مَقَامٌ عَلَا * فِي جَنَّةِ الخُلْدِ وَدَارِ الثَّوَابِ
فَقَطْرَةٌ مِنْ فَضَلاَتِهِ * فِي جَوْفِ تُنْجِيهِ مِنْ أَلِيمِ العَذَابٍ
فَكَيْفَ أَحْشَاءٌ لَهُ قَدْ غَدَتْ * حَامِلَةً تُصْلَى بِنَارِ العِقَابِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي وِلاَدَتِهِ مِنْ أَبَوَيْهِ أَخٌ ولاَ أُخْتٌ، لانْتِهَاءِ صَفْوَتِهَا إلَيْهِ، وَقُصُورِ نَسَبِهِمَا عَلَيْهِ، لِيَكُونَ مُخْتَصًّا بِنَسَبٍ جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى لِلنُّبُوَّةِ غَايَةً، وَلِتَمَامِ الشَّرَفِ نِهَايَةً، وَأَنْتَ اخْتَبَرْتَ حَالَ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ، وَعَلِمْتَ طَهَارَةَ مَوْلِدِهِ المُنِيفِ، تَيَقَّنْتَ أَنَّهُ سُلاَلَةَ آبَاءٍ كِرَامٍ، فهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمًَ : مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، بْنُ هَاشِمٍ، بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، بْنُ قُصَيْ، بْنُ كِلَابٍ، بْنُ مُرَّةٍ، بْنُ كَعْبٍ، بْنُ لُؤَيْ، بْنُ غَالِبٍ، بْنُ فَهْرٍ، بْنُ مَالِكٍ، بْنُ النَّضَرِ. وَقُرَيْشُ تَنْتَهِي إلَى هَذَا.
وَقَالَ كَثِيرُونَ : إلَى فَهْرٍ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، بْنِ مُدْرِكَةَ، بْنِ إلْيَاسَ، بْنِ مُضَرَ، بْنِ نَزَارٍ، بْنِ مَعْدٍ، بْنِ عَدْنَانَ.
إلَى هُنَا انْتَهَى هَذَا النَّسَبُ الشَّرِيفُ المُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ أَقْوَالٌ مُتَبَايِنَةٌ، لاَ يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلِلَّهِ دُرُّ القَائِلِ :
نَسَبٌ كأنَّ عَلَيهِ مِن شَمسِ الضُّحَى * نُوراً وَمِنْ فََلََقِ الصَّبَاحِِ عَمُودَا
مَا فِيهِ إلَّا سَيِّدًا مِنْ سَيِّدٍ * حَازَ المَكَارِمَ وَالتُّقى وَالجُودا