السهروردي بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَئِنْ شِئْتُمْ لَأُقْسِمَنَّ لكم، إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللهِ تعالى إِلَى اللهِ الَّذِينَ يُحَبِّبُونَ اللهَ إِلَى عباده، وَيُحَبِّبُونَ عِبَادَ اللهِ إِلَى اللهِ، وَيَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ بِالنَّصِيحَةِ».
وهذا الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رتبة المشيخة والدعوة إلى الله تعالى؛ لأن الشيخ يُحَبب اللهَ إلى عباده حقيقة، ويحبب عبادَ الله إلى الله، ورتبة المشيخة من أعلى الرتب في طريق الصوفية، ونيابة النبوة في الدعاء إلى الله، فأما وجه كون الشيخ يُحَبب اللهَ إلى عباده فلأن الشيخ يسلك بالمريد طريق الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صَحَّ اقتداؤه واتباعه أحبه الله تعالى.
قال الله تعالى : ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ [آل عمران: 31].
ووجه كونه يحبب عبادَ الله تعالى إليه أنه يسلك بالمريد طريق التزكية والتحلية، فإذا تزكت النفس انجلى مرآة القلب، وانعكس فيها أنوار العظمة الإلهية، ولاح فيها جمال التوحيد، فأحب العبد ربه لا محالة، وذلك ميراث التزكية.
والشيخ من جنود الله، يرشد به المريدين، ويهدي به الطالبين، فعلى المشايخ وقار الله، وبهم يتأدب المريدون ظاهرًا وباطنًا.
قال الله تعالى : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: 90].
فالمشايخ لما اهتدوا أُهِّلُوا للاقتداء بهم، وجُعِلوا أئمة المتقين.
فيسوس الشيخ نفوس المريدين كما كان يسوس نفسه من قبل بالتآلف والنصح، فبذلك يصيرُ المريد جزءَ الشيخ كما أن الولد جزءُ الوالد في الولادة الطبيعية، وتصير هذه الولادة الثانية ولادةً معنويةً، كما ورد عن عيسى -صلوات الله عليه-: «لن يلج ملكوت السماء من لم يولد مرتين».
وصرف اليقين على الكمال يحصل في هذه الولادة، وبهذه الولادة يستحق ميراث الأنبياء، ومن لم يصله ميراث الأنبياء ما وُلِدَ، فمن المشايخ من تكثر أولاده، ويأخذون منه العلوم والأحوال، ويودعونها غيرهم، كما وصلت إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الصحبة، ومنهم من تَقِلُّ أولاده، ومنهم من ينقطع نسله فلابد من مؤدب وهو الأستاذ.
فإن الطريق لما كان في غاية الشرف والعزة حُفت به الآفات والقواطع والأمور المهلكة من كل جانب، فلا يسلكه إلا شجاع مقدام، ويكون معه دليل علام، وحينئذ تقع الفائدة.
فعلى الشيخ أن يوفي حق مرتبته، وصفة الشيخ أن يكون عارفا بالخواطر الربانية، والملكية، والقلبية، والنفسانية، والشيطانية.
قال الشيخ جبريل الجرماباذي قدس الله سره : «أيها السالك لا تدخل في هذه البادية المهلكة إلا وأن تكون في حفارة أتباع الحضرة النبوية، ويكون قدامك دليل قطع هذه البرية غير مرة، واضعاً قدم صدقه على أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم، غير منحرف عن جادة طريق المتابعة، ولا يخفى على مَن له أدنى دراية وفطانة أن السير في عالم الشهادة الذي هو عالم الجسمانيات برًّا وبحرًا، إذا كان بغير دليل، يكون الغالب فيه الهلاك، فضلًا عن أن يوصل إلى المَقْصَد، فكيف في عالم الغيب، الذي ليس من قبيل المحسوسات، فيجب على مَن في قلبه داعية السفر أن يبذل جهده في طلب دليل عراف بعلامات هذه الطريق، خبير بالمهالك والمخاوف وآفات الدروب، قطع هذه البوادي المبيدة بقدم الصدق مرارًا، وأكثر مجيئه وذهابه فيها بعد أن وصل إلى الكعبة الحقيقية، فإذا وجد مثل هذا الدليل، سلم نفسه إليه، وتبرأ منها، ويُطَلِّق اختياره ثلاثًا، ويفنيه في اختيار الدليل وإرادته، فإذا فعل ذلك استعدّ لتصرُّف الشيخ».