الغاية من الإذن في الذكر :
إن الهدف من البحث عن الموجه المربي الذي يأذن في الذكر هو للاستعانة به على قهر النفس الرافضه للقيام بهذا العمل،أو الباحثة عن الحظوظ والمقاصد الدنيئه في ذكرها، ثم ان صفه التذكير التي يختص بها الشيخ المربي تعطيه من البصيره النافذة ومعرفه احوال النفس ما يؤهله لكي يأمر مريده بذكر ورد او صيغه معينة لما يدركه فيها من أنوار وأسرار تعين المريد الذاكر، أو المسلم الباحث من هذا العمل على تحقيق مقصده من الذكر، وهو إخلاص العبوديه، ولا ننفي إمكانيه الأجر والثواب التي يحصلها الذاكر بدون إذن، ولكن امتطاء سفينه الذكر وبراق هذا العمل للمعراج نحو كمالات المعرفه ودقائق الأسرار يعتبر أمرًا مستحيلا دون مُذَكِّر، لأن المرء لا يعرف مخاطر الطريق وتلونات النفس في الذكر. ويمكن بالإضافه الى هذا الاشاره الى غايات أخرى نذكر منها :
1 - معرفة الكثرة المطلوبة شرعًا، إذ ما هو المقياس الذي يستطيع الإنسان بنفسه أن يحدده ليقيس به كثرة الذكر، ولذا فإن صاحبه المُذكِّر بالله له من البصيرة والفراسة الربانية ما تجعله يعطي للمريد على قدر طاقته ويحقق له معنى الكثرة هذا، ثم يجنبه هو أيضًا "فتنة الذكر" حتى لا يسقط في بؤرة النفاق، أما هو لوحده فيصعب عليه معرفة القلة هاته، إذ قد يتمتم بعض الوقت بألفاظ مأثورة ثم يظن خطئاً أنه أكثر الذكر وهو واهم...
2 -إدراك كيفيه التعامل مع الصيغ الواردة في احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المأثور عن الصحابة والسلف الصالح، إذ لو أراد الإنسان أن يقوم بها كلها ليمتثل لأمر الذكر لما كفاه الليل والنهار نظرا لكثرتها وطول المصنفات في هذا الباب، فيطوي له شيخه المسافه في التدرج به في السير عبر إعطائه ذكر صيغ تكفيه وتحقق له ما يصبو اليه، أو ما أن يغامر بنفسه ويعطيها المشيخه لتقوده فإنها تحقق له عكس مقصده فتفتح الوساوس أبوابها وتدق خواطر قبيحه صدره حتى يحار. وهذا صحيح رأيناه بأم أعيننا، إذ كم من طارق لباب الذكر بنفسه قد عاد خائبا كاد عقله أن يطير وروحه أن تزهق، وتغير لونه وسلوكه وهو لا يدري من أين ذلك ولولا فضل الله عليه وارشاده الى باب الطبيب المداوي لبقي في سجن وساوسه خواطر قبيحه صدره حتى يحر وهذا صحيح رأيناه اذن من طارق لباب الذكر بنفسه قد عاد خائبا كاد عقله أن يطير، وروحه أن تزهق، وتغير لونه وسلوكه، وهو لا يدري من أين ذلك، بنفسه ولولا فضل الله عليه بإرشاده إلى الطبيب المداوي لبقي في سجن وساوسه.
3 - ان التجربه الحيه التي تدخل الإنسان إلى مختبر الذكر المأذون وتوصله إلى نتيجته العلمية المرجوة من هذه التجربة توضح بدون شك أن الخائض في الذكر بنفسه قد كان محروما من لذات وأشواق ومواجد وأنوار عالية لأنه ظن أن خوض بحر الذكر لا يحتاج إلى سَبَّاح ماهر وإنما يكفي أن يقذف المرء بنفسه في هذا البحر فينجو من أخطاره ويحصل على لآلئه في آن واحد، أو قد يستمسك بغريق مثله ظنا منه انه صاحب همة عاليه فينكشف له بعد ما يدق ناقوس الخطر عليه أنه سبح مع أقل منه معرفة في فن السباحه، وكم يكثر المدعون في هذا الباب، ولقد وجدنا في هذه الطريقه أناسًا أطل بهم أناس على هاويه الحمق وحفر الصرع بالإذن لهم في أذكار منصبين أنفسهم لمقام الإرشاد إلى الله وهم يجهلون قواعد السير إليه، ولكن الإذن القوي من طرف شيخنا أحيى من جديد رفات هؤلاء الناس فرجعوا إلى صوابهم بعدما فقدوه والحمد لله.
إن مصاحبه الذاكر المذكر، توقظ الهمة وتحرك المشاعر الباطنيه للقيام بالذكر، إلى أحوال أصحابهم فيذكرون بكثره يستغرب فيها الذي لم يسلم نفسه الجامحة عن تقبل مثل هذا الكلام لأن فيه هلاكها، ولكنه حينما يرضحها للأخذ بالذكر المأذون، وهو نفس ألفاظ الذكر عامة إلا أن فيه شيئا زائدا يشعل مصابيح القلب ويدفع للاشتياق إلى وجه الله يحصل على مبتغاه ويتعجب لأمر الإذن هذا الذي أعطاه القوة على الفعل ومنحه ثمرته وحلاوته.
ونشير أخيرًا إلى أن أكبر دليل على الصحبه الوارده في الذكر مع الوجوه المذكرة بالله وتلقينهم لذكر الله عز وجل هو الدليل التجريبي إذ يحصل للإنسان من الإنسجام مع الوجود ومن لذة المناجاة ما يعجز اللسان على التعبير عنه.
وأما موقع الذكر من هذا الانسجام فهو أيضا صيرورة كونية تصير بها الكائنات ذاكرة بالفطره والحال لتحقق الهدف الذي من أجله خلقت. وإذا بحثنا عن الصيرورة وجدنا أن العوالم كلها تسبح الله وتذكره، ولنفصل في هذا، وتبعًا لهذا الترتيب من العوالم العلوية إلى الوجود الأرضي،حتى تنضج هذه الحتمية
تخصص الملائكة في الذكر : وهم المخلوقات النورانيه التي وجدت من أجل تقديس الله وحسن عبادته، والقيام الكلي بذكره وتسبيحه قال الله تعالى : {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}[الصافات:156-166] وقال أيضا : {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}.[الأعراف:206]
وإن أعظم منة ذكرها الملائكة لله تعالى حين أراد أن يخلق آدم عليه السلام ويجعله في الأرض هي قيامهم بتسبيح الله وتقديسه، مما يدل على أنهم مدركون حق الإدراك لقيمة ذكره عز وجل : قال الله تعالى : {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}[القرة:30]فكان جوابه سبحانه وتعالى : {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. فكان هذا الآدمي رغم شهواته ونزواته مأمورًا بالذكر قائمًا به مرتفعًا به إلى مستوى نوراني ملائكي.