قبل أيام تشرفت بإلقاء محاضرة حول ” مفهوم الحرية في الإسلام “ وذلك بالتعاون مع المنتدى المغربي للفكر والحضارة ، وكنت تحدثت طويلا حول المساحة الواسعة التي يؤمن بها الاسلام لمفهوم الحرية بشرط أن لا تعود على المجتمع والمصلحة العامة بالويلات ، كما أنها لا يجوز أن تستغل لتصير أداة تحريض وبث للكراهية في المجتمع .
ومن هنا سعت الشريعة أن يكون التعبير عبر قنوات البرهان والنقاش ، وليس عبر السب والشتم وبث كراهية الآخر .
وقد صرح القرآن الكريم بالنهي عن سب الآخر لاختلافه الديني عنك قال تعالى : (ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ كفروا فَيَسُبُّوا الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ).
وللأسف مع وضوح القرآن الكريم في الدعوة إلى الجدال بالتي هي أحسن إلا أن بعض من تغذيهم جهات متطرفة وعنصرية حاقدة تزعم أن الإسلام لا يقبل الرأي الآخر .
وقد خرج على المجتمع الأروبي بعض الأشخاص وهو لا يمثل المجتمع الاروبي وإنما يمثلون من ينتسبون إليهم من جهات وأيدي خفيه ترغب في إشعال الفتن والحروب في المجتمعات الغربية .
في أول أيام عيد الأضحى من هذا العام يقوم شخص أرعن حاقد لم يقدر معنى الحرية ليعلن عن رعونات نفسه وحقده لإشعال حروب الكراهية والحقد في المجتمعات الغربية وعلى الخصوص في ( السويد ) أنه عازم على حرق نسخة من القرآن الكريم والدوس عليها ، وفعلا قام هذا الشخص وبحراسة من الشرطة السويدية على القيام بهذه الجريمة .
نعم ! تحت دعوى “ حرية التعبير “ !
ولي هنا ملاحظتان أرجو أن تكونا محل اهتمام من الجاليات المسلمة :
الأولى : إن إحراق القرآن الكريم لا ينزل تحت مظلة “ حرية التعبير “ ذلك أن “ حرية التعبير “ هي حرية الكلام والسلوك الحضاري الذي يفهم منه الجميع موقفك من أمر معين .
يعني أن حرية التعبير هي موقف كلامي يمعنى ليست فعلا ، وإذا تعدت حرية التعبير إلى الفعل لم يجز تسميتها بأنها حرية تعبير أصلا لأنها انتقلت من الكلام إلى الفعل .
وعليه لو جاز إنزال هذه الأفعال تحت مظلة “ حرية التعبير “ لجاز لنا أن نعتبر إحراق المساجد والكنائس الفارغة من الناس وإحراق الصلبان أيضا حرية تعبير ، ولا أحد يقول بهذا !!
ومن هنا فإن إقدام هذا الشخص على حرق المصحف الكريم يصنف تحت الفعل ، وليس الكلام ، لأنه انتقل من الكلام إلى الفعل والعمل .
ثانيا : لا يجوز للحقوق الإنسانية أن تتعارض أو تتضارب مع بعضها البعض، وإلا أصبح لا يمكن تطبيقها على المجتمع لحصول التعارض فيما بينها ، فمثلا عندما نتحدث عن حق الإنسان في الحياة لا يمكن أن اجيز في نفس الوقت حرية القتل !
كذالك لا يمكن أن اعطي الانسان حرية المعتقد بأمان واستقرار ثم بالمقابل افتح باب جواز سبه وشتمه ولا أكتفي بالكلام بل أجيز أيضا إحراق كتابه المقدس ، وهذا الفعل يتعارض تماما مع حرية المعتقد وممارسة طقوسه ، خلال جو مشحون بالكراهية والحقد !
وفي هذا الإطار ارى أن على الجاليات المسلمة التأكيد على هذين البعدين لكي تستمر مسيرة حقوق الإنسان متكاملة غير متعارضة ، ولا تتعرض موضوع حقوق الانسان للانتهاك ، أو تستغل من بعض المتطرفين لتصير أداة لنشر الحقد والكره في المجتمع بحجة “ حقوق الانسان “ أو “ حرية التعبير “ .
فلا بد من تسمية الأشياء بمسمياتها فإحراق المصحف هو فعل وليس كلاما حتى يمكننا تغطيته بمظلة حرية التعبير .
*** ***
بقلم : د. ربيع العايدي
محاضر في جامعة الزرقاء الخاصة