191- رُبَّمَا اسْتَحْيَا الْعَارِفُ أَنْ يَرْفَعَ حَاجَتَهُ إِلَى مَوْلاَهُ لاكْتِفَائِهِ بِمَشِيئَتِهِ فَكَيْفَ لاَ يَسْتَحِيَ أَنْ يَرْفَعَهَا إِلَىَ خَلِيْقَتِهِ ؟.
قلت: العارف هو الذي بلغ من التقرب و القرب حتى امتحق عن نفسه بالكلية و زالت عنه الأينية و الغيرية، بحيث لم يبق له عن نفسه إخبار، و لا مع غير مولاه قرار، فإذا أراد أن يسأل عبودية استحيى من مولاه أن يثبت معه سواه، اكتفاء بمشيئته، و تحقيقا لأحديته، فإذا كان يستحيي من مولاه أن يرفع حوائجه إليه فكيف لا يستحيي منه أن يرفعها إلى غيره؟ فلا جرم أن الحق سبحانه يعطيه أفضل ما يعطي السائلين، و يبوؤه في مقعد صدق مع النبيين و الصديقين، و قد تقدم الحديث: «من شغله ذكري» إلخ. قال سهل بن عبد اللّه: ما من وقت إلا و اللّه تعالى مطّلع فيه على قلوب عباده، فأي قلب رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه الشيطان و حجبه عنه. انتهى. و قيل للواسطي: لم لا تسأل اللّه شيئا؟ فقال: أخشى أن يقال لي: إن سألتنا الذي لك عندنا فقد اتهمتنا، و إن سألتنا ما ليس لك عندنا فقد أسأت الأدب معنا، و إن سلّمت الأمر لنا و نظرت بنظرنا أجرينا لك الأمور على مقتضى الموافقة انتهى. هذا آخر الباب الموفى عشرين. و حاصلها: الكلام على الكرامات و بيان ما ينشأ عنها من العبارات، لأن الكرامات الحقيقية هي الاستقامة على العبودية و مشاهدة أنوار الربوبية، فإذا تحقق ذلك في الولي فاض بالحكم و أذن له في التعبير، فحينئذ ربما يقبل عليه الخلق بالعطاء، فإذا عرف فيهم مولاه حل له الأخذ من أيديهم، و إلا فلا. و أما السؤال منهم لقوت البشرية فلا يتصور من العارفين، استحياء من اللّه، و اكتفاء بعلمه و مشيئته، هذا مقام الواصلين، و أما السائرون فهم عاملون على مجاهدة نفوسهم، فإن ثقل عليها السؤال قدموها إليه، و إن ثقل عليها الفاقة و الصبر و الاكتفاء بالمشيئة و العلم قدموه، كما بيّن ذلك الشيخ رضي اللّه تعالى عنه في أول الباب الحادي و العشرين بقوله رضي اللّه تعالى عنه: