والخَلْقُ جَميعًا فِي يَدِهِ * فَذَوُو سَعَةٍ و ذَوُو حَرَجِ
"جَمِيعًا" فعيل بمعنى مفعول من الجمع وهو ضم المتفرق. وَ"اليَد" في الأًل الجارحة، وتُطلق على النعمة مجازا لصدورها عنها وعلى القدرة أيضا لظهور سلطانها، ولما أضافه إلى المولى سبحانه وتعالى بطل قطعًا إرادة المعنى الحقيقي لاستحالته في حقه تعالى، فالظاهر أنه أراد به القدرة،و"السَّعة" : مصدر من وسع الشيء سعة صارَ واسعًا، وحقيقة الواسع كل محل يحتمل من الأجراء والأعيان أكثر ما يحتمله ضده الذي هو الضيق. و"الحرج" : الضيق، والمعنى أن الخلائق كل واحد منهم كائن، وفي نفوذ قدرته تعالى فيه بما أراد، فمنه العطاء والمنع والضر والنفع والسعة والضيق، لا يسأل عما يفعل وهو أحكم الحاكمين.
ونُزولُهُمُ و طُلوعُهُمُ * فإلى دَرَكٍ و على دَرَجٍ
"النُّزول" الانتقال من علو إلى أسفل، ويستعار لتبدّل الأحوال الشريفة بالخسيسسة والطلوع ضده فيهما، وّالدّرج" اسم جنس واحد درجة وهي المِرقاةُ وأيضا الواحدة من طبقات المراتب المرتفعة، و"الدّرك"-بفتح الراء وسكونها- القعر ومنهدَرَك جهنم، وهي ضد الدرج،ومن ثم قيل : الجنة درجات والنار دركات، وأشار في هذا البيت والذي قبله إلى معنى قوله : {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}لينبه على استشعار الخوف والرجاء والتوكل والتسليم لأمر الله والتفويض إليه في كل الأمور، وليؤكد أثر الصبر الذي هو أساس التقوى من حيث أن أنّ القيّومية مقتضاها تفرّد الحق بالقيام على خلقه في الدنيا والآخرة، ولمّا كان المعنى الشريف يوجب لمن قام به منزلة عند الناس، وضدّه يوجب له الانحطاط استعار الناظم لذلك الطلوع والنزول.
ومعايِشُهُم و عَواقِبُهُم * ليست في المَشْيِ على عِوَجِ
"المعيشة" من العيش وهو الحياة اسم لما يعاش به من المطاعم والمشارب، "والعاقبة" آخر الأمر،و"المشي" معروف، وهو هنا استعارة لحصول المعايش والعواقب شيئًا فشيئًا فكأنها ماشية إلى ما ينتفع بها قاصدة إليه، وفي هذا إشارة إلى الإجمال في الطلب فقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اتّقوا الله وأَجمِلُوا في الطَّلَب) فالحرص حينئذ لا يحصل شيئا لم يقدر وضد لا يمنعه،و"العِوَج" - بكسر العين - ما كان في غير منتصب القامة كالأرض، وأما ما كان منتصبا كالرمح فهو عَوج بفتحها، ومعنى البيت أن معاش الخلق وأسبابهم في الدنيا وعواقبهم في الآخرة مرادة تتوجه إليهم في سابق علمه ونافذ حُكمه ليست اتفاقية فتكون مضطربة غير مستقيمة بل هي في ترتيبها وتقديرها كطلوعهم ونزولهم وسعتهم وحرجهم.