الشيخ سيدي حمزة بن العباس في مشواره التعليمي والتربوي
منذ ولادته عام 1922 تركَّز اهتمام والده على تخريجه عالما كاملا. فأدخله الكُتَّابَ وكان أولَ مُعَلِّمٍ له عَمُّهُ سيدِي محيِي الدِّين الذي عُرِفَ بكثرة تلاوته للقرآن والصلاة على النبي صلى اللهُ عليه وسلم وقيام الليل . حَفِظَ الطفلُ حمزة القرآن في سِنِّ مبكرة وكان يأتيه إلى الكُتَّاب أحد أهل الفضل ويمسح على رأسه ثم يقول : سبحان اللهِ! مَن كان يدري أنَّ اللهََ يستخلف في أبناء بودشيش حمزة والعباس.
إقباله على العلم والتصوف
تلقى علوم عصره على يد فقهاء وعلماء الزاوية ونذكر منهم العَلَّامة الجليل سيدِي بوشتى الجامعِي والفقيه الجليل سيدِي محمد التوجكاني، والعَلَّامَة الحاج حميد الدَّرعاوي.
أما عن رحلته الروحية، وأول مايُمَيِّزها أنها تختلف عن رحلة شيخه وعن رحلة أبيه، فهذان كانا طالبين وهو كان مطلوبا، وهذان كانا مريدَين وهو كان مُرادًا.
وبالفعل يبدأ رحلته دون بحث أو معاناة، بل إن الشيخ هو الذي بحث عنه. كيف ذلك؟ بينما هو ذات يوم نازل من وجدة إلى أحفير، تَذَكَّرَ بعض أسلافه المدفونين في هذه المدينة فأراد زيارتهم. وتشاء الأقدار أن يكون الشيخ سيدي بُومَدْيَن بن المْنَوَّر بأحفير لأن ذلك كان أولَ مكان ظهوره.
وتشاء الأقدار أيضا أن يمر أحد المريدين بالضريحِ ويرى حمزةَ وهو يترحم على أسلافه، ويُسْرِعُ المريد الخطى نحو شيخه ليحكي له عن شَاب وسيم فائق الحُسْنِ والهيبة والأناقة.
ويتحرك باطن الشيخ ليُرسل في طلب ابن صهره، ويحضر حمزة الشاب عند أفراد عائلته، لم يأت ليأخذ الطريقة وإنما أجاب الدعوة، ويلح عليه سيدِي بُومَدْيَن ليذهب معه إلى الجبل لرؤية عمته الصالحة لَالَّ خَدُّوج. ويُجيب الدعوة يجيبها في الظاهر، ولم يكن يعلم بأنها دعوة لأمر أعظم من صلة الرَّحِم.
ويمكث حمزة في ضيافة عمته وزوجها ثلاثةَ أيام وهو مُعَزَّزٌ مُكَرَّمٌ ثم ينزل إلى سهل أبيه، لتمر أيام ويأتي سيدِي بُومَدْيَن من أجل حمزة، وهو لم يأت إلى الديار منذ مُدَّة.
وبعد شهر من ولوج أبيه الطريقة يمد حمزة يده ليدخل سلك الصِّدِّيقِيَّة بدون عناء.
يأخذ العهدَ عن شيخه فيوصيه بعدم مخالطة النساء قائلًا : إن الفقيرَ إذا خالط النساءَ ينطفئ مصباحه وهو لا يشعر.
لازَمَ شيخَهُ مدة أربعة عشر سنة لم يفارقه فيها إلا في حالة النوم، تَرَقَّبَ أحواله، عرف سيرته، وكان إذا أراد إشارة تربوية حكى عن شيخه سَيِّدِي بُومَدْيَن. أَحَبَّهُ حبا في اللهِ جعله يخدمه خدمة صِدْقٍ، رافقه في رحلاته كلها حينَمَا كان الشيخ يتفقد المريدين بالمناطق الشرقية من المغرب. عُرِف التلميذ البَارُّ بكثرة ذكره لله، إذ لم يكن يَفْتُرُ عن الذِّكْرِ حتى وهو في فراش نومه. وذاق حلاوة العشق والحب، وأحبه فقراء شيخه رغم أنه أحدثهم سنًّا.
كان له دور مهم في السماع وتحريك المشاعر. تُوفِيَ شيخه تاركًا الإذن لأبيه وله من بعده، لكنه تقلَّد أمور التربية مبكرًا في جماعة سيدِي الحاج العباس إلى أن وافاه الأجل عام 1972 ميلادي.
من وصايا الشيخ سيدِي حمزة قَدَّسَ اللهُ سره
قال شيخنا الأبرك : قلبِ مُعلَّقٌ بالشريعة وقَلْبُ الفقيرِ مُعَلَّقٌ بقلبي، فإذا زاغ الفقيرُ عن الشريعةِ انفصل قلبه عن قلبي.
ويقول : التوجه مقام من المقامات، وفَضْلٌ من اللهِ عَزَّ وجَلَّ يمُنُّ به على عباده ولكنه شيئ يحصل بالاجتهاد في الذكر، لأن الذكر هو الذي يفتح أبوابًا إلى التوجه والحضور مع اللهِ تعالا.
وقال رضي اللهُ عنه : الذاتُ التي تذكر اللهَ تعالا تكون محفوظة.
حديث الشيخ سيدِي حمزة عن سيره في الطريق.
كان سيدِي حَمْزَة إذا اشتكى لشيخه سيدِي بُومَدْيَن من تَأَخُّرِ الزيادة في المَعنَا، وتباطؤ التقدم في الوجدان يجيبه قائلا : أما أنا، ليس لَدَيَّ ما أُعطيك إياه ولا لِأَيِّ مريد. أنا لستُ إلا بَوَّابًا على حضرة اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فليسَ كل مَن أتى إلى الملك مثلا يُدخِله البَوَّاب، بل إن الدخول إلى حضرة الملك يكون بإذن الملك نفسه.
فإذا كان المريد يَتَساءل عن هذه الأمور بنوع من الحسرة على عدم بلوغ المقصود في وقت وجيز، فذلك هو حال المُنازعة أي عَدَمُ الرِّضا بالقِسْمَة. لكن سيدِي حمزة يقول بأنه تخَلَّصَ مِن حالِ المنازعة تدريجيًا، إلى أن تَمَّ له ذلك نهائيا كما سنبيِّنُه