آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الوسوسة في الذكر

الوسوسة في الذكر

لماذا تقع الوسوسة في الذكر المأذون و في الذكر الغير المأذون؟

الوساوس و الأوهام في الذكر المأذون و الذكر الغير المأذون ليستا من نفس الطبيعة لاختلاف المصادر و النوعية و العوالم.

فالذكر المأذون يعري النفس أمام مرآة الحق فتبدو على حقيقتها و يظهر ما فيها من طبائع و أخلاق في صور مختلفة. و يجلو عن القلب فيتضح ما فيه من ظلمات و أغيار.

و لذلك تهجم النفس على الذاكر مثل الوحش الكاسر لأنها تخاف أن تفتضح و أن يعي بوجودها و بوجود تلوناتها. و في ذلك مراتب تختلف باختلاف مقام المريد و بنائه الذاتي و إعرابه الإحتماعي.

فأصحاب البدايات يقع لهم الإنزعاج من كثرة الخواطر و الصور و التهيئات لسبب توحدهم مع النفس و عدم الإنفصال عنها في عالم الغفلة بخلاف الدخول إلى عالم اليقظة الذي يبدأ فيه الإنفصال عن النفس.

و كذلك القلب يتحرك لأنه يصعب عليه فراق ما ألف و ترك ما به تعلق. و لأن القلب في عالم الغفلة يكون متعلقا بما سوى الله و النفس متربعة على عرشه. فيصعب الفطام في عالم اليقظة حتى إن المريد لينكر نفسه و يختلط عليه الأمر لتقلب القلب بين عالمي الغفلة و اليقظة.

و الذكر المأذون دواء مطهر. و لا يقع التطهير و التشافي بدون غسل الأذى و إخراج الأدران و الأوساخ و التعفنات. فعملية التنقية فيها ما فيها. و هذا من عمل السر عن طريق مدد صاحب الهمة و الإذن. و هو أمر من أمور السلوك الصوفي العادي. فلا يستقر نور مع وسخ القلب و لا تكون محبة إلهية مع وجود نفس فيه.

أما الذكر الغير المأذون فلا يرتقي إلى درجة التطهير السلوكي. و إنما هو من أفعال التعبد الظاهر و من نوايا الأجور و من الأعمال المعلولة علة خفية كبرى. فلا يسلم صاحبه من إحدى ثلاثة أمور و قد تجتمع :

- اعتماد على العمل يؤدي إلى عجب بالنفس و نظرة دونية للغير مع فرح بالعبادة و توهم بالوصول و ذلك لغياب الرادع النفسي و المثال السلوكي المتمثل في الشيخ المربي و المعلم الروحي، و حاله حال نفساني قد يصبح شيطانيا مع التعالي و الإستكبار.

- وسوسة تؤدي إلى غمة في القلب يكون معها روحنة مظلمة و اضطراب في الأحوال و نزوح إلى الإبتعاد عن الناس و تهيئات ظاهرة أو باطنة بخرق العادة أو ما شبه مع تغير في التصرفات و المظهر و عدم طمأنينة مع الزيادة في طلب خلط الأذكار و البحث عن غريبها حتى يقع ما لا تحمد عقباه من خبل أو هبل أو تلبيس أو ادعاء لعدم اتصال صاحبها بالنور المحمدي عن طريق الواسطة بالسلسلة الربانية ، فلا مدد في تلك الأذكار و لا أنوار و لا سلوك، و حاله حال روحنة ظلمانية.

- جذب بدون سلوك و خروج عن دائرة التكليف يحدث بسبب قوة نور الذكر و عدم القدرة على تحمله. و ذلك لعدم وجود ذات السر و لكون مستعمل الذكر لم يتهيأ لاستقبال قوة النور. و الجذب عالم لا يدخل في عالم السلوك الصوفي المحمدي الشرعي. و إنما حكم صاحبه شرعا حكم المجنون أو الصبي لرفع القلم و الخروج من دائرة التكليف. و حاله حال أحدي لا يليق إلا لنفسه و لا يصلح لحياة بشر. أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره. فأمره إلى مولاه.

و هاته أمور كثرة الكلام فيها مضيعة للوقت و فتح لأبواب المراء مع غير السالكين. فالمريد الصادق يلتزم بالأذكار المأذونة و لا يخلط و لا يستعمل ذكرا دون إذن و لا يكون من عشاق غريب الأذكار و العزائم و يعتقد بأنه بذلك يصل و يدرك الأسرار. فالحكمة كل الحكمة في الإذن الصحيح و لو بذكر وحيد منفرد. لأن المراد يبلغه العبد حسب السابقة بالنية و القصد و الإرادة و العزيمة عن طريق المأذون صاحب الهمة و السر مع اتباع المحمدية.

 

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية