من أَوْجَبِ الواجِبات وأَوْكَدِها نَحن مَعْشَرَ الذاكرين والذاكرات، أن نَحْرِصَ كل الحِرْصِ على صِيَانَةِ المَوْروثِ الرُّوحي النَّبَوي المُحَمَّدي النفيس. الذي يُعْتَبَرُ صَمّام أمان للبَشَرِيَّة جمعاء من مختلف دواعي المُدّعين. وفي هذا الصدد يَجدرُ بي أن أحَدِّثَكُم عن أحَدِ مريدِي الطريقة سقطَ في مهاوي الادعاء وَقْتَ سيدِي بومَدْيَن. كان يُدْعَى عَفَا اللهُ عنه "الفقيهُ أحمد بن الطَّيِّب"، إذ ظهر عليه فضل الطريقة، فشرع يَنْظُمُ قصائدا أُُعْجِبَ بها ، وكان والدي يأتي بها إلى سيدِي بومَدْيَن ويقرأها على مسامعه. وعند الانتهاء من قراءتها يَرُدُّ سيدِي بومَدْيَن على والدِي قائلا له . "قُلْ لابْنِ الطَّيِّب حتى الزَّنبور يصنع الشَّهْدَة ولكن أين العسل ؟، فكل من يَتَّبِع ابن الطَّيِّب فهو غاوي، يحصلُ له ما حصل للشعراء الغاوين، الذين قال فيهم الحق عز وجل :{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ}.فَكُلُّ مَنْ يَدَّعِي التَّرْبِيَّة، بدون إذن صادق، دعوته باطلة، والحكمة في العسل لا في الشَّهْدة، السر في العسل لا في صُنْع الشَّهْدَة الخاوية. وفي الأخير قال سيدِي بومَدْيَن لابن الطَّيِّب :"ما صدر عنك ويَصْدُر فهو من عندي، فما أنت إلا بُوق، فالحكمة في الإذن لا في العلم وحده". ولذلك رأينا كثيرا من فطاحل وأكابر العلماء، أَخَدُوا عن شيوخ التربية. منهم مَن كان أُمِّياً كسيدي علي الخَواصّ الذي أخد عنه الإمام الشعراني صاحب الطبقات. وسيدِي عبد العزيز الدَّبَّاغ الذي أخد عنه الفقيه الجليل ابن المُبارك. لذا صَرَّحَ أهل اللهِ أن كل من يَدَّعِي دعوة بمفرده دون إذن شيخه، تُعدُّ دعوته دعوة باطلة لاغية. لذا يجب على كل مريد التأدب مع شيخه إلى أن يلقى اللهَ ليكون معه في دار القرار، ففي الحديث الشريف : {المَرْءُ معَ مَنْ أَحَبَّ}.
قال تعالَى :" وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ". ليكون الله معك عليك بذكر الله، قال تعالى : "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ". وقال : "أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي". أيُّها الفقير عَلَيْكَ بذكرِ اللهِ في الخَلَوات والجَلَوات مع اليقين التَّامِّ أنَّ اللهَ معك أينما كُنْتَ، مع المراقبة. ومعنى المراقبة الخَشيَة من المعصية، والاستحياء من وجودك في مكان فيه حرام. فالذاكر عليه أن يختار الأماكن الطاهرة التي يقصدها؛ لأنه يحمل معه كنز المعرفة، ألا وهو نورُ لا إلهَ إلا الله. ونور رسول اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. ولهذا فالفقير لن تجده في الشواطئ ولا المقاهي إلا للضرورة، لأنها أماكن الغافلين والنفس والشيطان.
واعلم أنَّ الطريق طويل والزاد قليل. فالذاكر يجب أن يَفِرَّ إلى مولاه، أَفَمَنْ كانَ اللهُ جَليسُه هل يَقْنَط !؟.
ويجب عليه يكون على نظافة وطهارة، إن اللهَ تعالا خلقنا في هذه الدنيا لعبادته (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَb إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ومعرفته (مَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سبيلا) ولهذا تَجِد الناس تَفِرُّ إلى الشيوخ لِيَدُلُّونهُم على الخير ويُذَكِّرُونَهُم أن الدنيا فانية .