مخطوطة : المِنَحُ الرَّبَّانِيَّة في المَوْلِدِ النَّبَوِي
المؤلف : عبد الرحمن بن خليل مرحبا الحنفي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِِيم.الحمد لله الواحِدِ الأَحَدِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ في الكَائِنَاتِ، الفَرْدُ الصّمَدُ الذي تَنزَّهَ عَنِ البَنينِ والبنَاتْ، الحَكيمُ الَّذي أَتقَنَ بحِكمَتِهِ ما أَبدَعَهُ مِنَ المَصنُوعات، وجعَلَ أَفضَلَهَا النَّوعَ الإنْسَاني لِأَجْلِ صاحِبِ المُعجِزاتْ، فسُبحانَهُ مِنْ إلاهٍ لَهُ الإخْتِيارُ المُطلَقُ فِي جَميعِ الحاَلاتْ، فَنِعْمَ اخْتِيَارُهُ إِذْ مِنْهُ تَتِمُّ جَميعُ الصَّالِحاتْ، أَحْمَدُهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى عَلَى المُتَرادِفَاتْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، إلَاهُ مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهْ، الَّذِي أَرْسَلَهُ تَعَالَى إِلَى جَمِيعٍِ المَخْلُوفَاتِ، وَأَنَاطَ بِهِ جَمِيعُ مَا خَلَقَهُ مِنَ الخَيْرَاتْ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السَّادَاتْ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ : فَيَقُولُ فَقِيرُ رَحْمَةِ ذِي اللُّطْفِ الخَفِيِّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلِيلِ مَرْحَبَا الحَنَفِي، غَفَرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمُحِبِّيهِ وَسَائِرِ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَلَطَفَ بِهِ وَبِهِمْ فِي جَمِيعِ الحَالَاتِ : هَذِهِ مِنَحٌ رَبَّانِيَّةٌ إِحْسَانِيَّةٌ، وَرَشَحَاتٌ إِلَهِيَّةٌ أَقْدَسِيَّةْ، مُحْتَوِيَّةٌ عَلَى مَا جَاءَ مِنَ الأَخْبَارِ الثَّنِيَّةِ، فِي قِصَّةِ مَوْلِدِ صَاحِبِ الأَنْوَارِ السَّنِيَّةِ، وَالأَسْرَارِ الإِلَهِيَّةِ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَأَزْكَى التَّحِيَّةِ، فَمِمَّا يَنْبَغِي لَيْلَةَ الْمَوْلِدْ الْمُنِيرَةِ البَاهِرَةْ، إِظْهَارُ السُّرُورِ والتَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ الفَاخِرَةِ، وَأَنْ يُقْرَأَ الْمَوْلِدُ الشَّرِفُ فِي أَمَاكِنِ المُسْلِمِينَ، وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الأَهْلِ والفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينْ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَأَنْ زَارَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَقَدْ رَآهُ بَعْضُ الصَّالِحِينَ فِي المَنَامْ، وَتَمَنَّى عَلَيهِ أَنْ يَزُورَهُ فِي كُلِّ عَامْ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : "إِنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ فَاعْمَلْ لِي مَوْلِدًا فِي كُلِّ عَامٍ. قَالَ : مَا ثَوَابُ مَنْ عَمِلَ لِأَجْلِكَ مَوْلِدًا فِي كُلِّ عَامٍ ؟ قال : مَنْ عَمِلَهُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى كَفَّرَ عَنْهُ ذُنُوبَ السَّنَةِ المَاضيَّةِ، وَيَبْقَى فِي أَمَانِ اللهِ إِلَى السَّنَةِ الآتِيَة، وَيَكْتُبُ لَهٌ بِكُلِّ لُقْمَةٍ حَسَنَةٌ وَيَحُطُّ عَنْهُ سَيِّئَةٌ، وَتَنْزِلُ المَلاَئِكَةُ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ سَبْعَةُ أيَّامٍ ، وَتَعُمُّهُ البَرَكَةُ مَعَ أَرْبَعِينَ دَارًا حَوْلَهُ يالتَّمَامِ". وَقِيلَ إِنَّ بَرَكَتَهُ عَلَيْهِ السَلاَم تَعُمُّ ذَلِكَ المَكَانَ تَمَامَ العَامِ.
كَانَ بِمِصْرَ رَجُلٌ مُلاَزِمًا عَلَى المَولِدِ بِجِوَارِ يَهُودِيَّةٍ، فَقالَتْ لِزَوْجِهَا : مَا بَالُ جَارِنَا كُلَّ عَامٍ مِثْلَ هَذِهِ الَّليْلَةِ البَهِيَّةِ، يُنْفِقُ فِي وَلِيمَتِهِ هَذِهِ الأَموَالَ الكُلِّيَةَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ فِي مِثْلِهَا زُلِدَ نَبِيُّهُمٌ المُخْتَارْ. فَلَمَّ نَامَتْ رَأَتْ رِجَالاً عَلَيْهِمُ الهَيْبَةُ وَالوَقَارُ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ يَكَادُ سَنَى نُورِهٍ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ، وَفَدْ جَاءَ زَائِرًا لِصاحِبِ الوَلِيمَةِ فِي تِلْكَ الدَّارِ، فَقَالَتْ : مَنْ هَذَا الَّذِي أَذْهَلَ بِجَمَالِهِ الأَلْبَابَ ؟ قالُوا : هَذَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ الأَحْبَابْ، قَالَتْ : إِنْ كَلَّمْتُهُ يَرُدُّ عَلَيَّ ؟ قَالُوا : نَعَمْ، وَفَدْ أُزِيلَ عَنْهَا الحِجابُ. فَلَمَّا نَادَتْهُ أَجَابَهَا بِالتَّلْبِيَّة عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، فَتَعَجَّبَتْ مِنْ إِجَابَتِهِ لَهَا بِالتَّلْبِيَّةِ وَلَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاَةُ وَأَزْكَى السَّلاَمُ : "مَا أجَبْتُكِ بِهَا حَتَّى عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ فَدْ هَدَاكِ إِلَى الإِسْلَامِ". فَقَالَتْ : أُمْدُدْ يَدَكَ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ لَنَبِيٌّ كَرِيمٌ، وَأَنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، تَعِسَ مَنْ خَالَفَ أَمْرَكَ، وَخَابَ مَنْ جَهِلَ قَدْرَكَ. ثُمَّ عََاهَدَتِ اللهَ تَعَالَى فِي مَنَامِهَا لَتَعْمَلَنَّ مَوْلِدًا بِجَمِيعِ مَالِهَا فَرَحًا بِإِسْلاَمِهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَتْ وَجَدَتْ زَوْجَهَا أَيْضًا قَدْ هَيَّأَ الوَلِيمَةَ، وَهُوَ فِي انْهِمَاكٍ قَوِيٍّ وَهِمَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَتَعَجَّبَتْ مِنْ صُنْعِهِ وَفَالَتْ : مَا لِي أَرَكَ فِي هِمَّةٍ صَالِحَةٍ ؟ قَلَ : ذَاكَ لِأَجْلِ مَنْ أَسْلَمْتِ عَلَى يَدَيْهِ البَارِحَةَ. فقَالَتْ : مَنْ كَشَفَ لَكَ عَنْ هَذَا السِّرَّ المَصُونِ ؟ قَالَ : هُوَ الَّذِي أَمْرُهُ بَيْنَ الكَافِ وَالنُّونِ. فَال رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ جَهْرًا :"مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْرًا". ثُمَّ إنَّ القَولَ المَشهُورَ الَّذي عَلَيهِ المُعَوَّلْ أَنَّ الوِلاَدَةُ كَانتْ فَجْرَ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ عَامَ الفِيلِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعِ الأَوَّلِ.