الباب الثاني والأربعون في الرفرف الأعلى
اعلم أن الرفرف الأعلى عبارة عن المكانة الإلهية من الموجودات ومن الأمور الذاتية التي اقتضتها الألوهية بنفسها، ثم هي ليست بنوع واحد، بل أنواع كثيرة، لكل نوع منها يسمى رفرفا أعلى، وكل رفرف فهو عبارة عن المكانة الإلهية، ولو اختلف مقتضاها، فإنها من حيث شأنها الذاتي، عين المكانة، ولا تفضيل في بعضها على بعض، لأن التفضيل لا يقع إلا في مقتضيات الصفات والأسماء، وهذه الأمور هي ذاتيات الحق، ولا تفاضل بينهما كالكبرياء مثلا والعزة، لأن الرفرف عبارة عن كل منهما، فلا يصح أن يقال: إن العزة أفضل من الكبرياء، ولا يقال: إن الكبرياء أفضل من العزة، وكذلك العظمة الذاتية، فإن كلا من أمثال ذلك عبارة عن مقتضى الذات لنفسها، للمكانة العليا الإلهية، وفي قوله للمكانة الإلهية تقييد للاقتضاء الذاتي ؛ لأن الذات لها في نفسها اقتضائان:
وفالاقتضاء المطلق و ما استحقه لنفسه من غير اعتبار الألوهية ولا الرحمانية ولا الربوبية ولا أمثال ذلك، بل هذه اقتضاءات مجردة من أن تقتضيه الذات لنوع من أنواع الكمال، فهي كالوجود مثلا والسذاجة والصرافة والأحدية، وأمثال ذلك مما اقتضته الذات لنفسها مطلقا.
والاقتضاء المقيد هو ما اقتضته الذات لنفسها، لكن بنوع من أنواع الكمالات كالأولية والرحمانية والربوبية، وكالعزة والكبرياء والعظمة مثلا للمكانة الإلهية، وكالعلم والسريان الوجودي، والإحاطة للمكانة الرحمانية إلى غير ذلك مما يستحقه لذاته لاعتبار إلهي أو رحماني أو رباني أو غير ذلك من أسمائه وأوصافه فافهم.
واعلم أن الاقتضاءات المقيدة راجعة أيضا إلى الإطلاق، لأنه سبحانه وتعالى اقتضى جميع ذلك لذاته. فالألوهية مقتضى لذاته، والرحمانية مقتضى لذاته، وكذلك ما عداهما من المراتب، وكل ما اقتضته مرتبة من المراتب كان مقتضى للذات من غير تقييد؛ لأن المرتبة من مقتضيات الذات، فما اقتضته كان من مقتضيات الذات، لأنه سبحانه وتعالى يستحق هذه الأشياء لا لكمال ولا لنقص، بل لذاته، وكمالاته أمور ذاتية له.
فكل المقتضيات مقتضيات ذاتية مطلقة، لكن لما كان ثم أمور تقتضيها الذات مطلقا، وثم أمور تقتضيها الذات فيصح فيها اعتبارها لمرتبة أو مكانة، قلنا: إن المقتضيات الذاتية نوعان: مطلق، ومقيد، فافهم.