بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرآن نزل وتنزل، فالنزول قد مضى، والتنزل باق إلى يوم القيامة، فأن الحق تعالى مستبد الوجود والوجود مستمد، والمادة من عين الوجود، فلو انقطعت المادة لانهدم الوجود، لا يصلح سماع هذا العلم إلا لمن حصلت له أربعة : الزهد والعلم والتوكل واليقين. الحق تعالى مطلع على السرائر والظواهر في كلِّ نَفَسٍ وحال، فَأيُّما قلب رآه مؤثرًا له حفظه من طوارق المحن ومضلات الفتن، فإن الحق تعالى يجري على ألسنة علماء كل زمان ما يليق بأهله، إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره،من تحقق بالعبودية، نظر أفعاله بعين الرياء، وأحواله بعين الدعوى، وأقواله بعين الافتراء، فإن عمرك نفَسٌ واحد فاجتهد أن يكون لك لا عليك، فإن من اشتغل بطلب الدنيا ابتلي بالذل فيها، لا تعمى عن نقصان نفسك فتطغى،من تزيّن بزائل فهو مغرور، فالحِمْيَةُ في الأبدان ترك المخالفة بالجوارح،والحميَةُ في القلوب ترك الركون إلى الأغيار، والحمية في النفوس ترك الدعوى، فإن أنفع العلوم العلم بأحكام العبيد، وأرفع العلوم معرفة التوحيد، جعل الله قلوب أهل الدنيا محلًّا للغفلة والوسواس، وقلوب العارفين مكانا للذكر والاستناس، فإن الخوف سوط يسوق ويعوق، يسوق إلى الطاعة ويعوق عن المعصية، لا ينفع مع الكبر عمل، ولا يضر مع التواضع بطالة، إذا أقامك ثبتت، وإن قمتَ بنفسك سقطت.
اللهم فهمنا عنك، فإنا لا نفهم عنك إلا بك، فليس من أُلبس ذل العجز كمن أُلبس عز الاقتدار، فإن من طلب لنفسه حالًا أو مقامًا فهو بعيد عن طرقات المعاملة، فالسعيد من يئس من الفرح إلا من عند مولاه، فإن أفضل الطاعات عمارة الوقت بالمراقبات، فالفتوة لا تشتغل بالخلق عن الحق، الفتوة رؤية محاسن العبيد والغيبة عن مساويهم، فإن من أخلص لله في معاملته تخلّص من الدعوى الكاذبة، فإن أهل الصدق قليل في أهل الصلاح،فالفقر نور ما دمت تستره فإذا أظهرته ذهب نوره،الجمع ما أسقط تفرقتك ومحى إشارتك، والجمع استغراق أوصافك وتلاشي نعوتك، فإن المدعي من أشار إلى نفسه، إنما حرموا الوصول لترك الاقتداء بالدليل وسلوكهم الهوى، فالتوكل وُثُوقك بالمضمون واستبدال الحركة بالسكون، وانصف الناس من نفسك واقبل النصيحة ممن دونك تدرك شرف المنازل، من لم يجد في قلبه زاجر فهو خراب، فتوكل على الله حتى يكون الغالب على ذكرك، فإن الخلق لم يغنوا عنك من الله شيئًا، فبالمحاسبة يصل العبد إلى درجة المراقبة، فَقْدُ الأسف والبكاء في مقام السلوك عَلم من أعلام الخذلان، إذا سلى القلب عن الشهوات فهو معافًا، من لم يستعن بالله على نفسه صرعته، من لم يقم بآداب أهل البدايات كيف يستقيم له دعوى أهل النهايات، اطرح الدنيا على من أقبل عليها وأقبل على مولاك، من تفرغ من اشتغال أقامه الحق في خدمته، شتان بين من همته الحور والقصور وبين من همته رفع الستور، فإن العبد من انقطعت آماله إلا من عند مولاه، المحفوظون على طبقات، محفوظ عن الشرك والكفر بالهداية، ومحفوظ عن الكبائر والصغائر بالعناية، ومحفوط عن الخطرات والغفلات بالرعاية، من أعرض عن الاعتراض فهو الحكيم المتأدب، المحبة الأنس بالله والشوق إليه، شاهد مشاهدته لك ولا تشاهد مشاهدتك له، من لم يخلع العذار لم ترفع له الأستار، الأسيرأسير نفسٍ وأسير شهوة وأسير هوىً، أغنا الأغنياء من أبدله الحق حقيقة من حقه، وأفقر الفقراء من ستر الحق عنه حقه، الخالي من الشوق مؤخر، والآيس فاقد المحبة، الأرواح الرعاية والأشباح الوقاية، نافخ الكير إن لم يحرقك بناره أذاك بشراره، وحامل العطر إن لم يدذيك من عطره متعك بنشره، من أهمل الفرائض فقد ضيّع نفسه، من لم يصبر على صحبة مولاه ابتلاه بصحبة العبيد، من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه، الدعوى من رعونة النفس، المدعي منازع للربوبية، انزعاج القلب لروعة الأنبياء أرجح من أعمال الثقلين، أبناء الدنيا تخدمهم العبيد والإماء وأبناء الآخرة تخدمهم الأحرار.