آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح رسالة الشيخ أرسلان الدمشقي

مخطوطة : رسالة في التصوف


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فإن أفضل القربات وأعلى أنواع الطاعات، الذِّلة والإنكسار والانطراح على باب المولى بمزيد الافتقار. فانطرح أيها الأخ الشقيق على باب مولاك، وطهر ثيابك من دَنس الشرك، لتدخل صلاتك الحقيقية وتبلغ علاك. 

واعلم أنك إذا رجعت للإنصاف ونظرت بعين البصيرة، وساعدتك الألطاف فهمت ما قاله هذا العارف بقوله : (كلك شرك خفي) أي كل نواحيك وجهاتك، وحركاتك وسكناتك، ومقاملتك وشهواتك ومكاشفاتك، شرك ظاهر عند أرباب البصيرة، خفي عند من لم يصل ذلك المقام ولم تصفو له السريرة.

فإن من تحقق بالعبودية نظر إلى أعماله بعين الرياء ، وأحواله بعين الدعوى ، وأقواله بعين الافتراء ،ولا يظهر هذا المعنى كمال الظهور إلا لمن تحقق بكمال العبودية كما وقع لسيدنا عمر رضي الله عنه حيث سأل حذيفة رضي الله عنه : هل أنا من المنافقين ؟، فقال له : لست منهم ولا أبرء أحدا بعدك. فإذا كان مثل عمر رضي الله عنه يتهم نفسه هذا الاتهام ويريها بهذا النظر فكيف بسواه.

 فإن أصل كل طاعة ويقظة وعظة عدم الرضا عن النفس، وأصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عنها. قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : (من مات ولم يتوغل في علمنا هذا مات وهو مصر على الكبائر) ولقد صدق فيما قال، ولم يبالغ في مقاله، بل شرح وبيَّن ما قاله سيد أرباب الكمال صلى الله عايه وسلم حيث قال : (ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه،وهي أشدهن). فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم : "وهي أشدهن" حيث جعل المهلكات ثلاثا، الرياء والحسد والعجب، وجعل أشد الثلاثة العجب. فأي شخص يا أخي يصلي ولا يعجب بصلاته، وأي شخص يصوم ولا يعجب بصومه إلا من وفقه الله لعنايته وشمله ببركة صحبة أوليائه، فإنهم الأطباء لأمراض القلوب، وكلامهم هو الترياق المجرب لدفع سموم الذنوب. 

فعليك أيها الأخ بمصاحبتهم لتجني ببركة مخاطتهم يانع ثمرتهم، وتنكشف لك بسبب ذلك ما أنت عليه من العيوب وتتطهر ببركة إشارتهم من كل شرك يحجبك عن علام الغيوب، فتخرج عند ذلك من أوصافك البشرية وتبعد عن كل وصف مناقض للعبودية، ويبين حينئذ التوحيد، ويظهر وتباين نفسك وتخرج عنها، وذلك هو النعيم الأكبر كما قال رضي الله عنه :(وما يبين لك توحيدك إلا إذا خرجت عنك).

يتبع...

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية