آخر الأخبار

جاري التحميل ...

المنح الربانية في المولد النبوي-2

يُروَى أنَّهُ لمَّا خَلقَ اللهُ تعالَى آدمُ عَليهِ السَّلامُ كَانَ يَسمَعُ في صُلبِهِ تَسبيحَ النُّورِ المُحمَّدِي مُدَّةَ أيّامٍ، والملائِكَةُ يَزدَحِمُونَ خَلفَهُ ويُسَبِّحونَ معهُ القُدُّوسُ السَّلامُ، فَقالَ آدَمُ : "يَارَبِّ اجْعَلْ هَذَا النُّورَ فِي مُقَدِّمَتي كَيْ تَستَقبِلَ المَلائكَةُ الكِرامُ جَبهَتِي"، فكَانَ فِي جَبهَتِهِ ظَاهِرًا لاَ يُنْكِرُ عَليهِ مَن رَآهُ، ثمَّ قالَ آدَمُ : "يارَبِّ اجْعَلهُ فِي مَوضِعٍ أرَاهُ"، فَحَوَّلهُ سُبحَانَهُ إلَى سَبَّابَةِ آدَمَ مِنْ يُمْنَاهُ،فَقالَ : أشهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلَّا اللهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهُ . ثمَّ خَلقَ اللهُ تَعالَى حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الأَيسَرِ، ولَمَّا دَنَتْ وَفاةُ آدَمُ علَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَوْصَى وَلدَهُ شِيتًا أنْ لاَ يَضَعَ هذَا النُّورَ إلاَّ فِي بَناتِهِ الكِرامُ.

فهُوَ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنُ هَاَشمِِ بْنُ عَبْدِ مُنَافٍ بْنُ قُصَيِّ بْنُ كِلَابِ الَّليْثِ الغَانِمُ، بْنُ مُرَّةَ بْنُ كَعْبٍ بْنُ لُؤَي بْنُ غَالِبُ، بْنُ فِهْرِ بْنُ مَالِكَ بْنُ النَّضَرِ بْنُ كِنَانَةَ ذِي الرَّأْيِ الصَّائِبِ، ابْنُ خُزَيْمَةَ بْنُ مُدْرِكَةَ بْنُ إِلْيَاسَ بْنُ مُضَرِ الأَعْيَانِ، بْنُ نِزَارَ بْنُ مَعَدٍ بْنُ عَدْنَانٍ. وَعلَيهِ انْعقَدَ إجمَاعُ الأَعْيَانِ، وَمَا نَقَلَهُ بَعضُ النَّاسِ غَيرَ هذَا كَذِبٌ وَبُهتَانُ، وَلمَّا آلَ هذَا النُّورُ إلَى السَّيِّدَةِ آمِنَةَ حَمَلَتْ لِحَملِهَا الأَْشجَارُ، وَبَرزَتْ مِنَ الأكْمَامِ الأثْمارْ، وَاخْضَرَّتِ الأَرضُ بِالنَّباتِ، وَنُودِيَ بِحَملِهِ فِي الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتْ، وَأعلَنَتِ الوُحوشُ لِبعضِهَا بِالبِشَارَاتِ وَنطَقَتْ كُلُّ دَابَّةٍ بِذَلِكَ لِقُرَيْشْ، وَأَخصَبَ اللهُ تَعالَى فِي ذَلِكَ العَامِ العَيْش، وَتَراجَفَتِ الخَيرَاتُ كَالأمْواجْ، فَسُمِّيَ عَامَ الفَتْحِ وَالإِبْتِهَاجْ، وَرُجِمَتِ الشَّيَاطينُ لَيْلَةَ الوِلاَدَةِ بِالشُّهُبِ الثَّوَاقِبْ، وَانْصَدَعَ إيوَانُ كِسْرَى وَانْشَقَّ مِنْ كُلِّ جَانِبْ، وَخَمِدَتِ النِّيرانُ المَعْبُودَةُ فِي الدِّيارِ الفَارِسِيَّةِ وَخَرَجَ مَعَ الوِلاَدَةِ نُورٌ أَضَائَتْ لَهُ البِلادُ الشَّامِيَّةُ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجِنَانِ، وَأُغْلِقَتِ أَبْوَابُ النِّيرَانِ، وَاشْتَدَّ صِيَاحُ إِبْليسَ وَأَنينُهُ، وَكَانَ عَلَى أبِي قُبَيْسٍ فَاجْتَمَعَ عَليْهِ شَياطِينُهُ وَقالُوا لَهُ :"مَا شَأْنُكَ وَمَا الخَبَرُ" قَالَ : قَدْ آنَ ظُهُورُ سَيِّدُ البَشَرْ، يَبْعَثُهُ اللهُ بِالسَّيْفِ القَاطِعِ، وَالدِّينِ الحَنِيفِي النَّافِعْ فَيُكَسِّرُ الصُّلْبَانَ وَالأَصْنَامْ، وَيُبْطِلُ مَا عَدَا دِينَ الإسْلامْ، وَلَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ حَمْلِهِ نِداءٌ فِي الأرْضِ وَالسَّماءْ، أَنْ أَبْشِرُوا فَقَدْ آنَ ظُهُورُهُ مُبَجَّلاً مُكَرَّمًا، وَلَمْ تَجِدْ أُمُّهُ لِحَمْلِهِ ثِقْلًا وَلاَ ألَمًا وَلاَ حَمَا، وأَتَاهَا آتٍ وَهِيَ بَينَ اليَقَظَةِ وَالمَنَامْ، قفَقالَ : هَلْ شَعَرْتِ بِأَنَّكِ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ الأَنَامْ. ثُمَّ عِندَ قُرْبِ الوِلادَةِ قَالَ لَهَا : قُولِي أُعِيذُهُ بِالوَاحِدِ، مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ، ثُمَّ سَمِّيهِ مُحَمَّدًا لِأنَّهُ يُعْطَى جَمِيعَ المَحَامِدِ.

وَلَمْ تَزَلْ فِي زِيادَةٍ مِنَ الجَمالِ وَالحُسْنِ وَتَكتَسِي مِنَ الأنوَارِ، وَتَرَى البَراهِينَ وَدَلائِلَ النُّبُوَّةِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، إلَى أَنْ تَكامَلَتْ أيَّامُ حَمْلِهِ، وَأَذِنَ اللهُ تَعالَى لِلْأَنامِ بِجَمْعِ شَمْلِهِ، فَنادَى مُنَادِي رَبِّ العَالَمِينْ : "قَدْ جَائَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ" فَاهْتَزَّ العَرْشُ طَرَبًا، وَمَاجَ الكُرْسِيُّ عَجَبًا، وَأَلْقَتِ المَلائِكَةُ عَلَى الشَّيَاطينِ شُهُبًا، وَنَادَى كُلٌّ مِنْهُمْ "أَهْلاً بِالحَبِيبِ وَمَرْحَبَا" وَأَعْلَنُوا بِالتَّسْبيحِ وَالأَذكَارِ، وَاشْتَعَلَتْ شُموسِ الضِّيَاءِ وَالأنوارِ، وَلَم يَكُنْ عِندَ آمِنَةَ لَيْلَةَ الوِلادَةِ أَحَدٌ يُؤَنِّسُهَا وَلا قَابِلَةٌ أي داية تَقْبَلُها، فَبَعثَ اللهُ تَعالَى إلَيهَا مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَجَمْعًا عَظِيمًا مِنَ الحُورِ العِينِ، وَأضاءَ مَنزِلُها وَامْتلَأَ مِنَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبينْ، وَلمَّا أنْ جَدَّ بِها المَخاضُ أيْ الطَّلْقُ، وَزَهَقَ الباطِلُ وَجاءَ الحَقُّ، رَأتْ رجالًا فِي الهَواءِ وَاقفينَ وَمعهُمْ أَباريقٌ مِنْ فِضَّةٍ وَعلَى بَيتِهَا عَاكِفينْ، وَهُمْ مَلائِكَةٌ جَاؤُوا بِماءٍ مِنَ الجَنَّةِ دَارِ السَّلامِ، لِيَغْسِلُوهُ بِهِ فَلِذَا وُلِدَ مَغْسولَا عَلَيهِ السَّلامُ، وَرَأَتْ عَلى هَيْئَةِ الطُّيورِ مَلائِكَةً كَثيرَةً، مَناقِيرُها مِنْ زُمُرُّذٍ وَأَجنِحَتهَا يَواقيتٌ مُنيرَةٌ، فَرَحًا وَابْتِهاجًا بِقُدومِ سَيِّدِ الأنَامِ، عَلَيهِ مِنَ اللهِ تَعالَى أَفضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامُ.

ثُمَّ رَأَتْ ديباجًا أَبْيَضَ مُدَّ مَا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّماءِ، وَرَأَتْ ثَلاثَةَ أَعلامٍ عَلَمًا بالمَشْرِقِ وَعَلَمًا بِالمَغرِبِ وَعَلَى ظَهْرِ الكَعْبَةِ عَلَمًا، فَوَضَعَتْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَجَّلاً مُعَظَّمًا.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية