ومٍن شَمائِلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَبْيَضٌ مُشَرَّبٌ بِأَحْمَرْ، وَعَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ كَالُّلؤْلُؤِ، وَريحُهُ كَالمِسْكِ الأَزَفَرِ، وَكانَ ذَا جَبَهَةٍ هِلاَلِيَّةٍ، سَائِلَ الخَدَّيْنِ، فِي أَنْفِهِ بَعْضُ احْدِيدَابٍ، أَزَجُّ الحَاجِبَيْنِ كأَنَّ مَا بَينَهُمَا فِضَّةٌ نَقِيَّةٌ، وَلَيْسَ مَقْرُونَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا عِرْقٌ إِذَا غَضَبَ امْتَلَأَ دَماً لِكَمَالِ قُوَّتِهِ الغَضَبِيَّةِ الَّتِي عَلَيهَا مَدَارُ الحِمايَةِ وَقُوامُ المِلَّةِ الإِسْلامِيَّةِ، أَدْعَجُ العَيْنَيْنِ واسِعَهُمَا دَاخِل بَيَاضِهَا احْمِرَارٌ، وَهُوَ أَمَارَةُ كَمَالِ شَجَاعَتِهِ وَغَضَبِهِ لِلْوَاحِدِ القَهَّارِ، وَكَانَ طَوِيلُ الشَّعْرِ الأَسْوَدِ فِي الأَشْفارِ، وَاسِعُ الفَمِ حَسَنُهُ مُفَلَّجُ الأَسْنَانِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ افْتَرَّ عَنْ مِثْلِ سَنَا البَرْقِ فِي الَّلمَعَانِ، وَكَانَ أَحْسَنَ عِبَادَ اللهِ شَفَّتَيْن وَأَلْطَفُهُمْ خَتْمَ فَمٍ وَعَيْنَيْنِ، وَكَانَ يُرَى غَضَبُهُ وَرِضَاهُ فِي وَجْهِهِ وَذلِكَ لِصَفَاءِ بَشَرَتِهِ وَطِيبِ أَصْلِهِ، وَكَانَ إذَا ظَهَرَ حُجْرَتِهِ خَفَقٌ لِرُؤْيَتِهِ الصَّدْرُ، لَمْ يَصِفْهُ وَاصِفٌ إِلاَّ شَبَّهَهُ بِالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ، وَلَكِنْ لَمْ يُمَاشِهِ طَوِيلٌ إلاَّ عَلاَ عَلَيْهِ وَطَالَ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ذُو المَجْدِ وَالرِّفْعَةِ : "جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الرَّبْعَةِ".
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهِيرَ الصَّوْتِ وَجَمِيلَهُ، أَحْسَنَ عِبَادَ اللهِ نَغْمَةً صَاحِبَ الأَخْلاَقِ الجَلِيلَةِ، وَكَانَ يُعْفِي لِحْيَتَهُ الشَّرِيفَةَ وَيَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ وَيَجْعَلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَهَيْئَةَ حَاجِبِهِ، أَحْسَنَ عِبَادَ اللهِ عُنُقاً لا طَوِيلَ وَلاَ قَصِيرَ، كَأَنَّهُ فِي صَفَائِهِ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ بِلاَ نَكِيرٍ، وَاسِعُ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ عَرِيضُ المَنْكِبَيْنِ، مُتَنَاسِبُ الأَعْضَاءِ، وَاسِعُ الرَّاحَتَيْنِ، كَأَنَّ أَصَابِعَهُ فِضَّةٌ نَقِيَّةٌ، أَلْيَنُ مِنَ الخَزِّ، تَفُوحُ مِنْهَا رَائِحَةٌ مِسْكِيَّةٌ، يَظَلُّ مُصَافِحَهُ يَجِدُ يَوْمَهُ رِيحَ كَفِّهِ الشَّرِيفِ فِي كَفِّهِ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ فَيُعْرَفث بِرِيحِ رَأْسِهِ، وَكَانَ إذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ أَوْ يَنْحَدِرُ مِنْ مَحَلٍّ عَالٍ رَمْلُهُ كَثِيرُ القَدَرِ، أَشْجَعُ الخَلْقِ، فَكَانَ يَقِفُ بِإِزاءِ العَدُوِّ فَيُدْهِمُهُمْ، وَيَبْرُزُ إِلَيْهِ أَشَدُّهُمْ بَأْساً وَأَشْجَعُهُمْ، وَكَانَ بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ بِالقِتَالِ يَتَشَمَّرُ وَيَسْبِقَهُمْ إِلَى مُلاَقَاةِ الأَبْطَالِ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا، وَأَسْلَمَهُمْ صَدْراً، وَأَحْسَنَهُمْ خَلْقًا وَخُلُقًا،وَأَرْفَعُهُمْ قَدْرًا، وَأَوْفَاهُم ذِمَّةً، وَأَلْيَنُهُم عَرِيكَةً، وَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا، وَأَكْرَمَهُمْ عَشِيرَةً، وَأَعْلاَهُمء قَبِيلَةً، وَأَغْلاَهُم حَسَبًا، وَأَصْدَقُهُمْ قَوْلًا، وَأَحْسَنَهُمْ فِعْلًا، وَأَقْسَطَهُمْ عَدْلًا، وَأَشْهَرَهُمْ فَضْلاً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ : لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، تَنَامُ عَيْنَاهُ فَقَطْ وَأَمَّا قَلْبَهُ فَلاَ يَنَامُ، لَمْ تَهْرُبْ مِنْهُ دَابَّةٌ رَكِبَهَا، وَمَا وَقَعَ ظِلُّهُ عَلَى أَرْضٍ مَرَّ بِهَا، وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذُبَابِهَا، بَعَثَهُ اللهُ إِلَى الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالمَلاَئِكَةِ الكِرَامِ، نَصَرَهُ اللهُ عَلَى عَدُوِّهِ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسَافَةِ شَهْرٍ، وَخَصَّهُ تَعَالَى بِأَفْضَلِ الَّليَالِي وَهِيَ لَيْلَةُ القَدْرِ.