آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قصة النساء والرجال في الطريق

قصة النساء والرجال في الطريق

تأبين صوفي، الحاج زهدي، الذي وجد نفسه في خدمة الأولياء


حاج زهدي، مريد بارع قد اتبع ثلاثة شيوخ بارزين، توفي بهدوء توفي في أبريل 2022 في منزله بالقرب من ميناء الدار البيضاء. بدأ مسيرته الروحية تحت إشراف الحاج عباس الذي توفي في عام 1972، ثم واصل مع سيدي حمزة حتى وفاته في عام 2017، قبل أن يتبع سيدي جمال.

كان حاج زهدي معروفًا بإخلاصه وتفانيه الاستثنائيين، وكان عميق الارتباط بعالم الفقراء، مع إظهار حب خاص لسيدي جمال. كان دائمًا بجانبه في تنقلاته، على الرغم من أن مشاركاته قد نقصت في السنوات الأخيرة بسبب كبر سنه.

في كل زيارة لسيدي جمال إلى الدار البيضاء، كان حاج زهدي يتطوع بشكل فوري لخدمته، وكأنه يبدأ مرحلة جديدة من الإخلاص. كان يرتدي مريلة بيضاء، يستقبل الفقراء ويخدمهم، الذين يأتون لزيارة سيدي جمال.

كان يولي اهتمامًا خاصًا لسيدي جمال، يعد أدويته بعناية ويتأكد من تقديمها في مواعيدها. كانت قلوبنا تفيض بالفرح لمعرفتنا أن شيخنا سيدي جمال كان محاطًا بشكل جيد، وأن رجلاً بمكانته يخدمه بأمانة عميقة وتفانٍ واهتمام بالغ وعناية فائقة.

وتجاه الفقراء، كان كرمه بلا حدود: الذي يطلب قهوة، يسارع بتقديمها؛ والذي يطلب شايًا بدون سكر بسبب السكري، كان يخدمه على الفور. ثم يجلس متأملاً بسعادة شيخه والمحتشدين حوله، يتكلم قليلاً، إلا عند الحاجة للرد على سؤال، عاشقًا لفرص الخدمة التي جعلها واجبًا على نفسه. هكذا كان حاج زهدي.

عندما كنا نراه ينهمك في عمله، كان يذكرنا فورًا بالمثل الصوفي الشهير: “سيد القوم خادمهم”. حاج زهدي كان رجلًا محبوبًا، قليل الخشونة ولكن دائمًا مفعمًا بروح الدعابة. كان وجهه الداكن يتلألأ بضوء أبيض، دليل على دوام ذكره لله. كانت دفئه، عمق طيبته، وكرمه تجعله شخصية لا يمكن إلا أن تعلق بها القلوب.

لقد لاحظت مرارًا أن الأشخاص ذوي البشرة السوداء، عندما يذكرون الله بإخلاص و استمرار، يتألقون بجمال ساحر، يبدو أحيانًا أكثر وضوحًا منه في الأشخاص ذوي البشرة البيضاء. وقد شهدت هذا الأمر عدة مرات بين فقراءنا. ولكن هذه مجرد انطباعات شخصية.

شعرت بالحرج من أن يخدمني، فقلت له يومًا: “اسمح لي أن أساعدك”. فأجابني: “هذه مهمتي، التي كلفني الله بها”. ثم قال: “دعني أروي لك قصتي لتفهم السبب”.

في خمسينيات القرن العشرين، كنت أعمل بحارًا على متن سفينة تعبر المسارات البعيدة، وصولًا أحيانًا إلى أقاصي آسيا لنقل البضائع. "لم تكن الحياة في عرض البحر تلك الأيام تترك مجالًا للروحانيات؛ الضلال كان شاملًا،" هكذا كان يروي. ذات صباح عند الفجر، وأنا نائم في كابينتي، جذبتني رؤية عجيبة. وجدت نفسي في فضاء واسع، أمامي جسد مغطى بثوب أبيض، ورجال يتحلقون حوله يعملون. فجأة، ناداني صوت عميق وجهوري: "اغسلوا جسد العارف بالله." لم أكن أعرف معنى هذه الكلمات. ثم أعاد الصوت، بنبرة أشد إلحاحًا: "اغسلوا جسد العارف بالله." وبشكل مفاجئ، قطع صوت البوق هذا الحلم.

عشرين عامًا بعد أن تركت حياة البحر، وجدت نفسي في الدار البيضاء. كان العام 1972. دعاني بعض الأصدقاء من الفقراء لمرافقتهم إلى الزاوية الرئيسية في مداغ. عند وصولنا، شعرنا بالاضطراب الذي كان يعم الزاوية: علمنا أن الشيخ العارف بالله، الحاج عباس، قد وافته المنية. لدى دخولي الغرفة للصلاة على جثمانه، ناولني أحد الرجال وعاءً وقال: "اغسل جسد العارف بالله" كانت هذه اللحظة نسخة دقيقة من الرؤية التي رأيتها قبل عشرين عامًا، بكل تفاصيله، بما في ذلك الكفن الأبيض الذي كان يغطي الجثة. أمسكت بالوعاء واقتربت. فقير، المقدم السابق للزاوية في الدار البيضاء، أشار إليّ قائلاً: "اغلق الباب، لا تسمح لأحد بالدخول، وتعال، سنقوم بغسل الشيخ."

في المساء، خلال الحفل الروحي، كان أحدهم يجول بصينية الشاي، قدمها لي فقلت: "بسم الله". وبمشيئة الله، أصبحت فورًا خادمًا للأولياء والفقراء، وظلت هذه حالتي التي لم تتغير أبدًا.

تذكرنا هذه القصة العجيبة بأن كل شيء مكتوب مسبقًا. لا يتبقى لنا إلا أن نجتهد في هذه الحياة لنحقق ما قُدر لنا، داعين ومأملين أن تكون نهاياتنا سعيدة. ولا ريب أن من يلقَ الشيخ صاحب زمانه سيُعَدّ من الأطياب. كان سيدي حمزة يقول: “لا يلتقي بي شقي.”

حاج زهدي قد انتقل إلى جنات النعيم. انتقال من الأرض إلى السماء، ليست إلا رحلة من حديقة إلى أخرى.

نسأل الله أن يجعل نهايتنا من أسعد النهايات، كما منح ذلك لهذا التقي النير، حاج زهدي. بما أن الله تعالى قد جمعنا في هذه الحياة مع أوليائه وفقرائه، نسأله أن يجمعنا بهم مرة أخرى في الآخرة، فإن سعادتنا لن تتم إلا بمعاودة لقاء من عرفناهم و أحببناهم في الدنيا.

رشيد حميمز

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية