فأول ما يجب عليك طلب العلم الذي تقيم به طهارتك، وصلاتك، وصيامك، وتقواك، وما يُفرض عليك طلبهُ خاصة لا تزيد على ذلك، وهو أول باب السلوك. ثم العمل به، ثم الورع، ثم الزهد، ثم التوكل، وفي حال من أحوال التوكل يحصل لك أربع كرامات هي :
علامات وأدلّة على حصولك في أول درجة: التوكل وهي طي الأرض، والمشي على الماء، واختراق الهواء، والأكل من الكون، وهو الحقيقة في هذا الباب. ثم تتوالى المقامات والأحوال والكرامات والتنزلات إلى الموت، فالله الله لا تدخل خلوتك حتى تعرف أين مقامك وقوتك من سلطان الوهم.
فإن كان وهمك حاكماً عليك فلا سبيل إلى الخلوة إلّا على يدي شيخ مميز عارف، وإن كان وهمك تحت سلطانك فخذ الخلوة ولا تبالي وعليك بالرياضة قبل الخلوة.
والرياضة عبارة عن تهذيب الأخلاق وترك الرعونة وتحمل الأذى، فإن الإنسان إذا تقدّم فَتْحَه قبل رياضته فلن يجيء منه رجل أبدًا إلاّ في حكم النادر.
فإذا اعتزلت عن الخلق فاحذرهم عن قصدهم إليك، وإقبالهم عليك، فإنه من اعتزل عن الناس لم يفتح بابه لقصد الناس إليه، فإن المراد من العزلة ترك الناس ومعاشرتهم، وليس المراد من ترك الناس ترك صورهم وإنما المراد أن لا يكون قلبك ولا أذنك وعاء لما يأتون به من فضول الكلام، فلا يصفو القلب من هذيان العالم، فكل من اعتزل في بيته وفتح باب قصد الناس إليه فإنه طالب رئاسة وجاه، مطرود عن باب الله تعالى، والهلاك إلى مثل هذا أقرب من شراك نعله، فالله الله تحفظ في إبليس النفس في هذا المقام.
فإن أكثر الخلق هلكوا فيه فاغلق بابك دون الناس، وكذلك باب بيتك بينك وبين أهلك واشتغل بذكر الله بأي نوع شئته من الأذكار وأعلاها الإسم، وهو قولك الله الله الله لا تزيد عليه شيئًا، وتحفظ من طوارق الخيالات الفاسدة أن تشغلك عن الذكر وتحفظ عن غذائك واجتهد أن يكون دسمًا ولكن من غير حيوان فإنه أحسن، واحذر من الشبع ومن الجوع المفرط، والزم طريق اعتدال المزاج إذا أفرط فيه اليبس أدّى إلى خيالات وهذيان طويل، فإذا كان الوارد هو الذي يعطي الانحراف فذلك هو المطلوب.
وتفرق بين الواردات الروحانية الملكية، والواردات الروحانبة النارية الشيطانية مما تجده في نفسك عند انقضاء الوارد. وذلك أن الوارد إذا كان ملكياً فإنه يعقبه بَرَد ولذّة لا تجد ألمًا ولا تتغير لك صورة ويترك علماً، وإذا كان شيطاناً فإنه يعقبه تهريس في الأعضاء وألم وكرب وحيرة ويترك تخبيطاً. فتحفظ ولا تزال ذاكراً حتى يفزّع الله عن قلبك وهو المطلوب، واحذر أن تقول ماذا، فليكن عقدك عند دخولك إلى خلوتك إذا شاء الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فكل ما يتجلى لك من الصور في خلوتك ويقول لك : أنا الله.
فقل : سبحان الله أنت بالله.
واحفظ صورة ما رأيت وَالْهُ عنها واشتغل بالذكر دائماً، هذا عقد واحد.
والعقد الثاني : أن لا تطلب منه في خلوتك سواه، ولا تعلق الهمة بغيره ولو عرض عليك كل ما في الكون فخذه بأدب ولا تقف عنده، وصمم على طلبك فإنه يبتليك، ومهما وقفت مع شيء فاتك، وإذا حصلته لم يفتك شيء.
فإذا قد عرفت هذا فاعلم أن الله مبتليك بما يعرضه عليك.