قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله : طفت ذات ليلة بالبيت الحرام وكانت ليلة ممطرة شديدة الظلمة وقد خلا الطواف، وطابت نفسي، فوقفت عند الملتزمة وقلت : اللهم اعصمني حتى لا أعصيك. فهتف بي هاتف فقال : يا إبراهيم تسألني أعصمك وكلّ عبادي في العصمة، فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن أغفر. قال إبراهيم : فبقيت ليلتي إلى الصباح مستغفرا لله سبحانه وتعالى ومستحي منه.
وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : «لو لم تُذنِبوا لذهبَ اللهُ بكُمْ ولجاءَ بقومٍ يُذنبونَ ثمَّ يستغفرونَ فيغفرَ لهُم».
حكي عن ذي النون المصري رضي الله عنه أنه قال : لما وصلتُ إلى المسجد الأقصى في أول سفري وقفت عند بابه وقفة الخجل المستوحش المتذلل فاستقبلني شيخ عليه أطمار رثة فقال : يا ذا النون مالك تحيرت إن كنت محتشما من زلتك فأين توحشك وفرارك ؟ وإن كنت صادقاً فأين بهجتك وأنوارك ؟ يا ذا النون لا تخادع نفسك فأنت المطلوب لالتحقيق وأمثالك من المؤمنين. قال تعالى وهو أصدق القائلين : {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
موعظة : خدعتك تفسك فادعت ما لا يصح لمثلها، أين الدلائل والشهود على حقيقة قولها، من دمعها الجاري، وصفرة لونها ونحولها، أين النحول من الضنا، أين التقى في فعلها، لكنها في خداعها دامت عليك بمطلها، من ساعد النفس وطاوعها في جهلها كبته يوم الحشر في نار الجحيم وهو لها، ما أقل معرفتك فيما تخيلته من جلالو حالك مع قبح أفعالك، أما علمت أن التخلق عن الطاعات ورفع المنازل والدرجات لا يجتمعا.