من رغبة الدجال أو المدعي الكاذب في أن ينصب نفسه شيخاً
"لَنْ يدخل أحد عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته".
تأملاتي السابقة حول شخصية الدجال قادتني إلى النظر في جانب حيوي: الرغبة في إعلان النفس سيدًا غالبًا ما تكون متجذرة في الطمع في السلطة أو القيادة و حب الرئاسة. هذا الطموح يمثل إحدى أكبر التهديدات الروحية للمريد. تناولت هذه القضية مشددًا على قاعدة أساسية: «لا تسعى بنشاط لمنصب قيادي أو سلطة، حتى داخل الزاوية. يجب أن يلمح لك الشيخ بذلك دون أن تكون قد عبرت عن رغبة أو طموح في هذا الموضوع، أو حتى أن الفكرة خطرت ببالك. لم تمت لأناك مثل أبو بكر أو عمر بن الخطاب، لتطمح إلى منصب سلطة. دع من مات لأناه يخبرك بما هو صالح لك ويحدد مسارك».
غالبًا ما يكون أولئك الذين يتميزون ببلاغتهم ويبدو أنهم يشعون بهالة روحية، ولكنهم يفتقرون إلى الفضيلة الأساسية للتواضع، هم الذين يطمحون في دور الشيخ. في الطريق الصوفي، فإن الذين يلتزمون بخدمة إخوانهم وأخواتهم بإخلاص هم المحصنون من مرض الطمع في القيادة و حب الرئاسة. وغالبًا ما يكون الذين يجدون متعة حقيقية في أن يُخدموا دون أن يظهروا أي اهتمام بالخدمة، هم الأكثر انجذابًا لطمع القيادة، وبعضهم يطمح في دور الشيخ الصوفي. هؤلاء يقفون على النقيض من تعاليم الصالحة العظيمة رابعة العدوية، التي كانت تقول إن القائد الحقيقي هو الذي يخدم ويضحي من أجل الآخرين. يقول المثل الصوفي: “سيد القوم خادمهم”.
اتباع هذا الطريق من الغطرسة يؤدي حتمًا إلى الدجل. إنه طريق مباشر يقود من السيادة المتغطرسة إلى الدجل. إذا صادفنا مثل هؤلاء الأفراد، فمن الأفضل الابتعاد عنهم بأفضل طريقة (دائمًا! قاعدة في الإسلام)، بل وحتى الهروب منهم إذا أصبح دجلهم واضحًا. يجب تحذير المريد الذي يغريه تكرار الخطيئة الأولية للشيطان (“لماذا هو وليس أنا”) وتوجيهه. وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فيجب الهروب منه كالهروب من الطاعون وعدم السعي أبدًا لمقابلته. في طريق الله، ومع رجل من رجال الله، يجب علينا أن نحمي أنفسنا من كل تلوث باطني.
في هذا النص السابق المخصص لحب السلطة، أشرت إلى أنه لتجنب التلوث بهذه الرغبة في القيادة، يجب على المريد أن يمارس الذكر بانتظام، مع التوجه (مهم جدًا!)، وأن يبحث عن وسائل وقائية: القيام بأعمال متواضعة وخدمية، مثل تنظيف المائدة، تنظيف الحمامات، أو تقشير البطاطس، وأن يعتبر كل جهد، سواء كان بالكلام أو الكتابة أو التبرعات، إسهامًا متواضعًا في مجموعة أكبر بكثير، مثل حجر صغير يُلقى في المحيط.
هناك تعبير فرنسي يعكس السلوك الذي يجب أن يتبناه المريد دائمًا: “لا تأخذ نفسك على محمل الجد”. بغض النظر عن إنجازاته في الطريق الروحي، عدد الأذكار التي أداها، المساهمات المالية التي قدمها، أو الإشادة التي تلقاها في محاضراته، يجب على المريد أن يتذكر عدم أخذ نفسه على محمل الجد. لأن الوصول إلى رحمة الله لن يتحقق بأعماله، بل بنعمة وإرادة الله. في حديث مشهور، حذر نبينا (ﷺ): “لن يدخل أحد عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته”.
لماذا هذا التواضع ضروري؟ الإجابة بسيطة. لا توجد أي ضمانة أو تأكيد أن أعمالنا قد تمت خالصة لله وبحب لوجهه الكريم. هناك خطر كبير أن تكون أعمالنا، رغم مظهرها المستحب، مليئة بالعيوب والدوافع الأنانية، مثل منخل مثقوب بثقوب متعددة.
د.رشيد حميمز
أستاذ جامعي في التعليم العالي
باحث في العلوم الاجتماعية
الرباط