آخر الأخبار

جاري التحميل ...

افتتاح الزاوية الجديدة في سلا: قصة ملهمة من الإيمان والصبر والتدبير الإلهي


افتتاح الزاوية الجديدة في سلا: قصة ملهمة من الإيمان والصبر والتدبير الإلهي

شهد يوم أمس السبت حدثًا مهيبًا تمثل في افتتاح الزاوية الجديدة والمهيبة في سلا، بحضور سيدي معاذ، ابن شيخنا الجليل. كانت الأجواء مشبعة بالروحانية والسكينة، حيث تجمّع العديد من المريدين القادمين من سلا، الرباط، القنيطرة، ومدن مجاورة أخرى. وقد تم تنظيم صدقة كبيرة في أروقة هذه الفيلا الواقعة في قلب حي سكني بسلا، احتفاءً بهذا الإنجاز الذي طال انتظاره.

لكن قصة هذه الزاوية، منذ لحظة التفكير في إنشائها حتى يوم افتتاحها، لا تقل روعة عن الحدث نفسه. لسنوات عديدة، اعتاد المريدون في سلا الاجتماع في زاوية قديمة متواضعة تقع في حي شعبي. وكان هذا المكان المقدس، الذي احتضن صلواتهم وذكرهم أنشطتهم الروحية ، قد تم التبرع به بسخاء من قِبل مريد جليل الذي خصصتُ له تأبينًا سابقًا بشهادة تقدير. ورغم القيمة الروحية العميقة لهذا المكان، إلا أنه مع مرور الزمن أصبح ضيقًا وغير قادر على استيعاب العدد المتزايد من المريدين وتلبية حاجاتهم الروحية المتنامية.

في مطلع الألفية، بادر بعض المريدين إلى التعبير عن رغبتهم أمام المرحوم الشيخ سيدي حمزة في إيجاد زاوية جديدة، تكون أكبر حجمًا وفي موقع أكثر تميزًا. حينها، أجابهم الشيخ بحكمة بالغة: “اصبروا، سيأتي يوم يتبرع فيه محسن لكم بالزاوية التي تطمحون إليها جاهزة”. وقد كانت هذه الكلمات النابعة من علم وحكمة حقيقية، مقدّمة لقصة تحقق هذه الرؤية في وقت لاحق.

قبل حوالي عام، بدأت القصة تأخذ منعطفًا غير متوقع. كان أحد المريدين في سلا، وهو مسؤول رفيع المستوى في مؤسسة، يبحث منذ سنوات طويلة عن والده الذي فقد الاتصال به عندما كان في الخامسة من عمره. والآن، وهو في الخمسين من عمره، لم يتخلّ عن أمله في العثور على ذلك الأب الذي افتقده كثيرًا. بعد سنوات طويلة من البحث المضني، تكللت جهوده بالنجاح عندما تمكن من العثور على والده الذي كان يعيش في إحدى الدول الأوروبية، حيث أعاد بناء حياته وحقق مكانة مهنية مريحة.
افتتاح الزاوية الجديدة في سلا: قصة ملهمة من الإيمان والصبر والتدبير الإلهي

عندما التقى المريد بوالده، كانت اللحظة مؤثرة بشكل لا يوصف. عندما طرق باب منزل والده في أوروبا، فتح له الأب الباب دون أن يتعرف عليه، وسأله: “من أنت؟”. فأجابه المريد بعبارة هزت القلوب: “أنا ابنك”. كانت تلك البداية للقاء مفعم بالمشاعر الغامرة، وبعدها بدأ الاثنان في بناء علاقة جديدة مليئة بالحب والمودة التي افتقداها طيلة تلك السنين.

خلال محادثاتهما، سأل الأب ابنه عن حياته، فعرف أنه مريد تابع لشيخ مربي حي. وأنهم يملكون زاوية لكنها أصبحت ضيقة وغير قادرة على تلبية احتياجاتهم المتزايدة. هنا، شعر الأب بعمق المسؤولية، فقال لابنه: “ابحث عن مكان جديد يناسبكم، وسأتكفل بكل التكاليف”. أشار الابن إلى فيلا متميزة كان المريدون قد رصدوها، لكن كان ثمنها باهظًا للغاية، مما جعلها بعيدة عن متناول الجميع. فرد عليه الأب بتصميم: “سأشتريها لكم، ولتكن صدقة جارية لوجه الله”.

هكذا، تمت صفقة شراء الفيلا، وبدأت أعمال الترميم والتجهيز. وبعد أشهر من العمل الدؤوب، كانت الزاوية جاهزة لاستقبال المريدين. في ذلك اليوم المميز، لم يستعد المريد والده فحسب، بل حصل على زاوية جديدة، وهو المكان الذي طالما حلم به المريدون في سلا.

وهكذا تحققت بصيرة الشيخ سيدي حمزة، ليكون ذلك العمل الخيري رابطًا أبديًا بين الأب والابن، ومصدر بركة لا تنقطع لهما أمام الله.

هذا الأب يعلم الآن، حتى وإن لم يدرك ذلك تمامًا، أن كل صلاة، وكل دعاء جماعي، وكل تلاوة لآيات القرآن من بين الآلاف التي ستتردد في أرجاء هذه الزاوية، وكل صلاة على النبي الكريم، ستصل إليه سواء كان حيًا أو بعد رحيله. كل آية، وكل دعاء، وكل نفس روحي ينبعث من بين هذه الجدران المقدسة، ستحمل له البركات. حتى حجارة الزاوية ستتضرع وتدعو له.

وهذا ما عبّر عنه الشيخ سيدي جمال حين استقبله في المولد الأخير بالزاوية الأم قائلاً: “اعلم أن الجميع يدعون لك و معك

تقول الحكمة الصوفية المشهورة: "إذا أراد أن يظهر فضله عليك، خلق (العمل) ونسب إليك".

د.رشيد حميمز
أستاذ جامعي في التعليم العالي
باحث في العلوم الاجتماعية
الرباط

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية