حِكَمٌ نُسِجَتْ بْيَدٍ حَكَمَتْ * ثُمَّ انتَّسَجَتْ بِالمُنتَسِجِ
الحكمة : صواب الأمر وسداده، وأفعال الله تعالى كذلك، لأنه يتصرّف في خلقِهِ بمقتضى المُلك، فيفعل ما يشاء وافقَ غرض العبد أم لا {لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ}، ولا خفاء بعدم إرادة حقيقية اليد فالمراد المقدرة، والانتِساج وهو الالتحام بحيث تكون المنسوجات كلحم واحد وهو استعارة لشدّة لزوم المقادير للعبد فكأنها لذلك ملتحمة به إذ لا انفكاك له عنها ولا لها عنه، والمنتسج : الملتحم وهو هنا العبد المقتضى عليه، فالنّاظم شبَّهَ العبد بسدى النسجة من حيث كونه هدفا ومحلا متغيرا ظاهرا أو باطنا بتلك المقادير المتعلقة به المتعاقبة عليهكتغير سدى النسجة حالا ومآلا بما يرد عليه ويتعلق به من الخيوط ولا محيد له عما قدّره الله عليه في الأزل من سعة وضيق وفرح وحزن وغير ذلك، قال نبينا ﷺ : (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ).
فَإذَا اقْتَصَدَتْ ثُمَّ انْعَرَجَتْ * فَبِمُقْتَصِدٍ وَبِمُُنْعَرِجِ
الاقتصاد : افتعال من القصد وهو التوسط بين الإسراف والتقتير، والانعراج : الانعطاف والميل عن القصد، والمقتصد : -بفتح الصاد - موضع الاقتصاد بكسرها اسم الفاعل وهو المروي هنا عند الشارح، والمنعرج -بفتح الراء -: موضع الانعراج والرواية عند الشارح بكسرها كالمقتصد لما بيّن الشيخ رحمه الله حركات الخلائق وسكناتهم الصادرة عن القُدرة الأزلية بالحكمة الإلهية أَعقب ذلك ببيان أن لتلك المقادير سدادًا وصوابًا في نفس الأمر سواء حكم العقل باقتصادها أي توسّطها في السداد أو حكم بانعراجها أي ميلها عنه، ويظهر حينئذ في العبد المقتضى عليه بها تأثر بها وتكيف بما حواليها فتتبدل عليه الأحوال وتصير مقتصدًا إن اقتصدت ومنعرجا إن انعرجت فيتعرّف إليه الحق جلّ جلاله في حال اقتصادها باسمه الحكيم اللطيف ونحوه وفي حال انعراجها باسمه القاهر العدل الحكم ونحوه، وأما في نفس الأمر فهي سداد وصواب؛لأنها صادرة عن مَلك الملوك المتصرّف في مُلكه كيف يشاء ويختار، وقد استأثر الله بعلمه الحُكم في ذلك وأخفاه عن خواص خلقه، فالواجب على العبد حينئذ تسليم الأمر لمن له الخلق والأمر لا إله إلا هو.